السؤال
السلام عليكم.
أحببت شابا وهو كذلك منذ 11 سنة، وكانت أمي ترفضه كلما تقدم خلال هذه الفترة، مع العلم أن أبي ليس لديه أي مشكلة، وخلال هذه السنوات تقدم لي، وخطبني، ولكن بسبب أمي تركته؛ لأنها قاطعتني، ولم تعد تكلمني.
ولكن في هذه السنة الأخيرة تقدم لي مجددا، وأبي وافق، وخطبني بشكل رسمي، وحددنا موعد الزواج، وأمي قاطعتني، ولم تتكلم معي، وكل يوم تدعو عليه بالموت، وأن لا يوفقنا الله، وأن نكون غير سعداء معا! أنا في حيرة، ولا أعرف ماذا أفعل؟!
أنا في عمر الـ33، فهل يتقبل الله دعاءها علي وعليه؟ مع العلم أنه لم يفعل ما يؤذيها، وتقدم من الباب، ماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريما حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:
قرأت استشارتك بتمعن، وأحسست بما تعانينه من ألم وتضارب بين برك بوالدتك؛ وبين ما تطمح إليه نفسك، وسوف أقسم ردي إلى قسمين: رد من الناحية الشرعية، ورد من الناحية النفسية والأسرية؛ ليكون الجواب مكتملا من جميع الجوانب.
أولا: الجانب الشرعي:
لا شك أن رضا الوالدين واجب؛ فقد قرنه الله تعالى بعبادته وتوحيده، فقال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، وقال: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا).
حق الوالدين في البر لا يسقط، حتى ولو كانا كافرين، كما قال تعالى: (وإن جاهداك علىٰ أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، ومع هذا، فإن طاعة الوالدين ليست مطلقة، بل هي مقيدة بالمعروف، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (إنما الطاعة بالمعروف)، وقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
ما ذكرته من رفض والدتك لمن تقدم لك لم يكن بسبب مصلحة معتبرة؛ مثل: كونه لا يعمل، أو سكنه غير مناسب، أو سبب شرعي مثل: كونه فاسقا، أو سيئ الخلق؛ لأن صفتي الدين والخلق هما من أهم الصفات التي يجب توافرها في الرجل، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، ولو كان سبب الرفض أنه غير ملتزم، أو سيئ الخلق، أو لا عمل له؛ ففي هذه الحال يجب طاعتها، أو طاعة الوالد إن كان هو الرافض.
أما إذا كان رفضها غير مبين السبب، أو غير معتبر شرعا، وإنما مجرد عناد، أو غيرة، أو تحكم، أو لأسباب عاطفية بحتة؛ ففي هذه الحالة فلا طاعة لها، إن كان من تقدم لك صاحب دين وخلق، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها، وإن كرهها سرحها بإحسان؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (إذا رغبت المرأة في نكاح رجل صالح، ورضي بها، وكان كفئا لها، وامتنع الولي بلا سبب شرعي، كان عاضلا، ونقلت الولاية إلى غيره)، وهذا يدل على أن لها أن تتزوج، ويعقد لها الحاكم، ولو دون رضا الوالدين.
يدل على هذا كذلك ما جاء في الحديث أن فتاة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته" فجعل النبي عليه الصلاة والسلام الأمر إليها، فقالت: "قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء"، فكما لا يجوز للأب أن يكره ابنته على الزواج ممن لا ترغب، فكذلك لا يجوز له أن يعضلها عن الزواج ممن تحب.
اعلمي أن الله حكم عدل، لا يظلم أحدا، وعليه فإن دعاء الوالدة إذا كان ظلما وعدوانا فإن الله لا يستجيب له، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم".
دعاء والدتك عليك وعلى من تقدم لك بالموت، وألا يسعدكما الله هو من الدعاء بالإثم، وقطيعة الرحم، ولن تتقبل دعواتها -بإذن الله-، خصوصا إن لم يصدر منكما أذى لها.
ننصحك أن تستمري في التواصل مع والدتك، وتوسطي من يصلح بينكما، وليكن والدك هو من يقنعها بأن ما تفعله خطأ، وليس له مبرر، وعليك أن تلقي بنفسك بين يديها، وأن تقبلي يدها ورأسها، طالبة منها الرضا.
إن لم يستطع والدك إقناعها، فاستعيني –بعد الله– بأحد إخوتك أو أخواتك إن وجدوا، أو بأي امرأة من قريباتك تستمع والدتك لنصحها، وقدمي لها بعض الهدايا؛ فالهدية مفتاح القلوب، وتحبب الناس كما ورد في الحديث: (تهادوا تحابوا).
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيني أوقات الإجابة، وخاصة أثناء السجود، وسلي الله تعالى أن يلين قلبها، وأن يلهمها الرشد والصواب.
أكثري من دعاء ذي النون كما ورد في الحديث: (دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم في شيء إلا استجيب له)، وأكثري من دعاء دفع الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم).
ثانيا: من الناحية الأسرية والنفسية:
- عليك أن تدركي أن الدافع الذي جعل والدتك ترفض ذلك الشاب، ليس بالضرورة أنها تكرهه، بل ربما كان دافعها هو الخوف المبالغ فيه عليك، أو شعورا بالحزن الشديد على ذهابك وبقائها وحيدة، أو ألما داخليا من فقد مكانتها في حياتك كونك ستبتعدين عنها بعد الزواج.
- يجب عليك أن تظهري توازنا بين برك بوالدتك، وميلك نحو الزواج من هذا الشاب، وعليك استخدام الحكمة حتى تكسبي والدتك، وتثبتي لها عدم تغيرك؛ فلعلها من خلال تصرفاتك المتزنة تدرك خطأ تفكيرها.
- لا تظهري امتعاضا من والدتك، بل قابليها بابتسامة، واصبري على أي لفظ قد يصدر منها، ولا تردي على كلامها أبدا، بل اخفضي لها جناح الذل من الرحمة، وأكثري الدعاء لها.
- قومي بخدمتها خير قيام، واستمري بما كنت تفعلينه من أعمال البيت، وخففي عنها الأعباء قدر استطاعتك، واستمري في الحديث معها بلطف، وأشعريها بأن قلبك ما زال –وسيظل– متعلقا بها، وأنك تطمعين في دعائها ورضاها، واطلبي منها أن تسامحك، وبيني لها أنك إنما تريدين إعفاف نفسك، وخاصة وأن العمر يتقدم.
- ننصحك أن تصلي صلاة الاستخارة، وأن تقولي الدعاء المأثور؛ فكونك تفوضين أمرك لله ليختار لك ما فيه الخير سيكون حتما مفيدا، واختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.
- أنت ما زلت مخطوبة، ولا يزال لديك فسحة في معرفة صفات هذا الشاب، فاحرصوا على التثبت؛ فإن سارت الأمور نحو العقد بسلاسة، ولم يحدث تعثر؛ فهذا دليل على أن الله اختار لك الزواج منه، وإن تعسرت؛ فهذا مؤشر على أن الله صرفه عنك، وصرفك عنه، وذلك خير لك.
- كونك على علاقة بهذا الشاب منذ إحدى عشرة سنة لا يعني بالضرورة أنه سيكون زوجك، فقد لا يكون من نصيبك، بل عليك أن تعلمي أن تلك العلاقة التي استمرت هذه المدة كانت مخالفة للشرع؛ إذ لا يجوز لأحد أن يبني علاقة حب مع أجنبي عنه، والذي ننصح به هو التوقف، وعدم الاستمرار بهذه العلاقة حتى يتم العقد.
- إن تم الزواج، ولا زالت والدتك مصرة على رأيها، فاحذري من إحداث أي إساءة، أو إظهار أي تحد، واجعلي أمك تشعر أنك ما زلت ابنتها القريبة، حتى بعد الزواج.
- نذكرك بأن الزواج رزق، ورضا الأم بركة، فاجتهدي لتحصيل كلا الأمرين.
نسأل الله تعالى لك التوفيق، وأن يلين قلب والدتك، وأن يسعدك في زواجك وبرك بوالدتك، إنه سميع مجيب.