أعيش في دوامة من الوهم والتكاسل عن الأوراد، فما الحل؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحمد الله على نعمة هذا الموقع، وأشكركم على مجهودكم، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.

أريد أن أسألكم: كيف أتخلص من التفكير في أن هناك أشخاصا ينظرون إلي؟

سأشرح لكم؛ فمثلا إذا كنت في القسم، وأردت أن أركز مع شرح الأساتذة، فإن نفسي تقول لي: هناك من ينظر إلي، فيتشتت تركيزي كلية، وأعدل حجابي خوفا من أن يظهر شيء من شعري، لأن جامعتنا مختلطة، وهذا ما يزعجني أكثر، كما أن الشيطان يوسوس لي عندما أريد أن أختار ثوبا من خزانة ملابسي، كنت قد اشتريته بقناعة تامة على أنه ساتر، وألوانه ليست مبهرجة، يسمى بالملحفة الموريتانية، وهو حجاب لسائر الجسد ما عدا الوجه والكفين، أقول في نفسي: ربما هو لافت، وفي مجتمعنا هو ليس كذلك.

أو عندما أختار حجابا جميلا فيه كل المواصفات، أقول: لماذا تريدين أن تبدي جميلة ما دامت الجامعة مختلطة؟ أظن أنها لو لم تكن مختلطة لما حرصت على منظرك هذا، فهل هو تأنيب الضمير، أم من النفس اللوامة، أم من وساوس الشيطان؟

على الرغم من أني لا أضع أيا من مظاهر الزينة الظاهرة: كالأساور، أو المكياج، أو العطر؛ لأن إظهارهم للأجانب محرم، ولا أكلم الشباب؛ لأنه أمر محرم، فهل ما سبق ذكره، وحرصي على نظافة حجابي، وتناسق ألوانه، أكون آثمة بفعله؟

سؤالي الثاني: مهما حاولت أن أنظم وقتي، أو أنجز واجباتي، أجد نفسي أنجزها في الدقائق الأخيرة قبل موعد التسليم؛ فبعد أحداث الحرب في غزة من العامين الماضيين، كنت أشعر بأن دراستي لا فائدة منها، ولكن بعد إعلان وقف الحرب حذفت اليوتيوب؛ لأنه كان يأخذ أغلب وقتي، وأصبحت أتابع أخبارهم من التيليغرام، ونتيجة لعدم اهتمامي بدراستي تراكمت علي المواد، وأحتاج لفهمها هي والمواد الجديدة، وعندما أبدأ يطرأ ظرف عائلي ما، فأكسل عن دراستي.

كما أنني لم أعد أقرأ وردي اليومي من القرآن، وهي سورة البقرة، وسورة يس، وسور أخرى تركتها، مع أني كنت أنصح من يهمني أمره بقراءة سورة البقرة، وإذ بي أنا أتركها!

أصبحت بعدها لا أحب أن أنصح أحدا؛ حتى لا أكون ممن قال الله -عز وجل- عنهم: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، وتركت حفظ القرآن منذ سنوات، وكل عام أحدث نفسي بأنني سأحفظه هذا العام، ويمر العام دون حفظه، وأخاف من عذاب الله؛ لأني نسيت ما حفظته، وزد على ذلك رغبتي في تعلم اللغة الإنجليزية بطرق مشروعة.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وبعد:

فإن هناك التباسا عندك في بعض القضايا، لذا دعينا نجيبك -أختنا- من خلال ما يلي:

أولا: الوساوس حول نظرات الناس والحجاب:
1. أصل المشكلة: ما تصفينه من إحساس بأن: الناس ينظرون إليك ليس غرورا، ولا ضعفا في الحياء، بل هو نوع من فرط الحساسية الاجتماعية الممزوجة بوساوس الشيطان، يريد الشيطان أن يشغلك عن أهدافك الحقيقية بالتفكير المستمر في كيف تبدين أمام الناس، وهذا أحد أساليب الشيطان، يقلقك في كل اختيار للحجاب أو اللباس ليعطل طمأنينتك.

2. ما يجب أن تعرفيه:
– من كان قلبه مشغولا بستر نفسه، وإرضاء ربه، فليطمئن إلى أن الله قد ستره، وزينه بنور الطاعة، فلا حاجة له أن يقلق من عيون الناس.
– ما دام حجابك ساترا غير مزين بزينة ظاهرة، فلا إثم عليك فيما بعد ذلك في كونه مرتبا، أو متناسقا؛ فالنظافة والتنسيق لا تبطلان الحياء.

3. الفرق بين النفس اللوامة والوسوسة: أن النفس اللوامة تذكرك بالخير، وتدفعك للإصلاح، ثم تهدأ، أما الوسوسة فتتعبك بالتكرار والتعذيب الداخلي حتى تنفرك من العبادة.

فإذا شعرت أن الفكرة لا تنتهي، وأنك كلما اطمأننت عادت لتقلقك، فهي وسوسة شيطانية لا ضمير حي، فواجهيها بالتجاهل، واستعيذي من همزات الشياطين، ثم استمري في حياتك، ولا تحللي تلك الوسواس.

4. خطوات عملية:
- اختاري الحجاب الساتر، وارتديه بثقة ورضا، ولا تعيدي النظر فيه، ولا تغيريه.
- حين يهاجمك الشعور بأن الناس ينظرون إليك، خذي نفسا عميقا، وذكري نفسك: الله يراني، والناس لا يملكون لي ضرا ولا نفعا.
- ادخلي المحاضرات بنية العبادة: اللهم اجعل علمي هذا خالصا لك؛ فالنية الصالحة تبدل قلقك إلى سكينة.

ثانيا: تنظيم الدراسة، والتأخر عن الإنجاز:
1. سبب تأخرك الحقيقي: تقولين: إنك تؤخرين واجباتك إلى اللحظة الأخيرة، وهذا طبيعي بعد فترات من التشتت النفسي والوساوس؛ لأن الدماغ يصبح مرهقا، فيلجأ إلى تأجيل المواجهة، فالأمر ليس كسلا دينيا، بل إرهاق ذهني يحتاج لإعادة بناء للعادة.

2. خطوات واقعية:
- ابدئي بالأيسر لا بالأكثر: اختاري مادة واحدة، نصف ساعة يوميا فقط.
- قسمي الوقت إلى دورات قصيرة: نصف ساعة تركيز، يعقبها خمس دقائق راحة.
- اجعلي ورد القرآن أول اليوم، لا آخره؛ حتى يكون بركة للدراسة.
- ابتعدي عن الكمال الزائد: لا تنتظري أن تكوني جاهزة لتبدئي، بل ابدئي، ثم ستتحسنين تباعا.

ثالثا: علاقتك بالقرآن، وتركك لسورة البقرة:
1. لا يليق بك أن تيأسي: ترك الورد لا يعني سقوطك من رحمة الله، بل نداء لطيف منه كي تعودي، والله يحب عبده الذي يعود بعد الغفلة؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم وجد ضالته بعد يأس.

2. لا يمنعك ذنبك من نصح غيرك: لقد خشيت أن تنصحي الناس فتقعي في قوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)، وهذا أحد خطوات الشيطان؛ لأن النصيحة عبادة، كما أن العمل عبادة، فعليك أن تجتهدي في إصلاح نفسك مع نصح غيرك، والنصوص الشرعية لا تأمرنا بترك الخير حتى نصبح كاملين، بل أن نعمل ونصلح معا.

رابعا: الشعور بضعف الجدوى من الدراسة بسبب أحوال الأمة: نعم، الحرب على المستضعفين في كل مكان ظلم يؤلم القلب، لكن تذكري: أن عليك واجبا يجب أن يؤدى، وأن أمتك تحتاج من أبنائها التفوق في كل الميادين، فنحن بحاجة إلى الطبيب المتدين، والمهندس المتدين، والغني المتدين، والاقتصادي المتدين، وكلما فعل كل فرد ما عليه كلما نهضت الأمة، فدراستك عبادة إن نويت بها نصرة الدين.

خامسا: خطة إصلاح متكاملة:
- حافظي على أذكار الصباح ولو بالحد الأدنى من الذكر، المهم أن تبدئي، ويمكنك أن تستمعي إلى الأذكار عبر هاتفك.
- اقرئي سورة البقرة، أو استمعي إليها عند العجز، المهم ألا يمر عليك اليوم إلا وقد فعلت أحد الأمرين، فإن شق عليك، فلا حرج عليك أن تقسميها على يومين، أو ثلاثة أيام كمرحلة أولى.
- أكثري من الاستغفار قبل النوم؛ فهو يطهر القلب من التشتت.
- الصحبة الصالحة من الأخوات تعينك على أمر تدينك.
- الاستماع إلى محاضرة دينية ولو مرة في الأسبوع.

أختنا الفاضلة: إن الله لم يخلقك لتعيشي في قلق دائم من نفسك، بل لتكوني من الذين قال فيهم: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، فاطمئني؛ فلن يضيع جهدك، ولن تضيع خطواتك.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات