الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صوت يوسوس لي بأن دعائي غير مقبول لأتركه، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

تخرجت في الجامعة منذ 6 أشهر، وبدأت الاستعداد لأداء اختبار التقديم للوظيفة.

في الحقيقة لقد وجدت صعوبةً كبيرةً في المراجعة؛ ليس لصعوبة المواد، وإنما صعوبة نفسية تلهيني وتشتتني، ومع ذلك كنت أحارب نفسي، وأحاول أن أذاكر، في المقابل حاولت أن أصلح علاقتي مع الله، وأن أبتعد عن جميع المعاصي، وأقوم بأداء العبادات والطاعات، من دعاء، وصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصلاة النوافل، وغيرها.

مشكلتي أنني أثناء الدعاء أدعو الله وأنا غير متيقنة في الإجابة، وقد حاولت مرارًا وتكرارًا حتى كرهت الدعاء؛ لأنني عندما أبدأ به أجد عقلي يقول لي: لن تنجحي، ليس مقدرًا لك النجاح، حتى وإن كان الله يسمعك، فليس لك نصيب فيه، ولكن الله سيستجيب لك بطريقة أخرى، ولن يعطيك ما تسألينه به.

وعندما يقول لي شخص: بأنني سـأنجح، فإن كلامَا داخلي يقول لي: لا، لن تنجحي.

أنا فعلاً لا أدرس كثيرًا، رغم محاولاتي الكثيرة، ولكني التجأت إلى الله، وأقول أن الله سوف يكرمني فقط لتضرعي ودعائي، ولكني لم أجد غير الوساوس، والله لقد تعبت، وأريد قلبًا متيقنًا يخشى الله.

أفيدوني جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكِ إلى صالح القول والعمل. نبارك لكِ تخرجك، ونسأل الله أن يرزقكِ وظيفةً تليق بدورك كامرأة، وتحفظ لكِ حياءكِ ودينك، وتعينك على طاعة ربك.

اعلمي –أختي الكريمة– أن الحياة بطبيعتها مليئة بالصعاب، وأن الله سبحانه قد يبتلي عباده بأنواع من الشدائد ليمتحن صدق إيمانهم وصبرهم، وله في ذلك حكمة يعلمها سبحانه، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، فالإنسان يُبتلى بالخير كما يُبتلى بالشر، والمؤمن مأجور على صبره، ومجاهدته في مواجهة البلاء، والثبات على طاعة الله في الشدائد؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما يُصِيبُ المسلمَ من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكُها، إلا كفّر اللهُ بها من خطاياه)؛ فالصعاب والعوائق أمر طبيعي في الحياة، لا سيما لمن يحمل في نفسه طموحًا وهمّةً عاليةً؛ فطريق النجاح محفوف بالتعب والمشقة، قال تعالى: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ).

أختي الفاضلة: اعلمي أن مجاهدة النفس في إلزامها طاعة الله في كل حال من أعظم القربات لله تعالى؛ فعندما تنزل بالإنسان الشدائد، يكون أحوج ما يكون إلى القرب من ربه، واللجوء إليه، والالتزام بعبادته، والسعي إلى رضاه؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، تأملي هذه الآية الكريمة، فالله يأمرنا أن نستعين على أمورنا بالصبر والصلاة؛ لأن في هاتين العبادتين من المعونة والقوة ما يعين العبد على تحقيق غاياته، لذلك، فإن لجوءكِ إلى الصلاة، والمحافظة على العبادات، والإكثار من النوافل، واجتناب المعاصي، هو خير سبيل تسلكينه لتوفيق الله، وتحقيق غاياتك.

أما يقين القلب أثناء الدعاء: فهو بلا شك من أعظم أسباب استجابة الدعاء، ولكن ضعف اليقين لا يمنع من الدعاء، ولا يسقط أجره، لأسباب مهمة ينبغي أن تدركيها تمامًا عند الدعاء:

أولًا: إن من يدعو الله تعالى، سواءً كان يقينه قويًا أم ضعيفًا، فإن له أجرًا، والله يعطيه بالدعاء إحدى ثلاث كما في الحديث: "ما من عبدٍ يدعو اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحمٍ، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجل له دعوته في الدنيا، أو تُدخر له في الآخرة، أو يُصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: يا رسول الله، إذًا نُكثِر؟ قال: "الله أكثر"، فأنت مأجورة على دعائك في كل حال، ما دام خاليًا من الإثم، والعدوان، وقطيعة الرحم.

ثانيًا: اليقين يُبنى في القلب بكثرة المجاهدة، والصبر، واللجوء إلى الله، وليس حالةً تطلب في لحظات معينة؛ فكل مراتب الإيمان تحتاج إلى سعيٍ، ومصابرة حتى تُنال.

ومن صدق في قصده، وجاهد نفسه ابتغاء وجه الله، بلّغه الله ما يريد؛ قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) فاجتهدي –أختي– في تقوية يقينك بالله من خلال العلم، ومعرفة الله بأسمائه وصفاته، والتفكر في حكمته وقدرته، ثم الاستمرار في أداء الفرائض، والإكثار من النوافل، ودوام الذكر، والإحسان إلى الخلق، والعمل الصالح، فبهذا وبتوفيق الله يتحقق اليقين في القلب.

ثالثًا: إن الشيطان استغل عدم فهمكِ لحقيقة اليقين والمجاهدة في الدعاء، فدخل من هذا الباب إلى قلبك، وأوهمك أنك حاولتِ كثيرًا دون فائدة، حتى كرهتِ الدعاء –والعياذ بالله–، وهذه من مكايده وخطواته، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوتُ فلم يُستجب لي ".

ثم زاد الشيطان في وسوسته، فأوقعك في سوء الظن بالله، وأوهمك أنه لا نصيب لك في النجاح، وأن الله لن يحقق لكِ ما ترجين، وكل هذا من خطواته الخفية ليُضعف قلبك، ويقطعك عن الدعاء، ويفقدك حسن الظن بالله تعالى.

فعليكِ –أختي– أن تتوبي أولاً إلى الله من سوء الظن به؛ فالله أرحم بعباده من أنفسهم، وهو الأعلم بما فيه الخير لهم، فكثيرًا ما يدعو الإنسان بشيء يراه خيرًا، وهو في علم الله شرٌّ له، فيصرفه الله عنه رحمةً به، ولهذا شرعت الاستخارة؛ لأننا نسأل الله أن يختار لنا الخير بعلمه، لا أن يحقق ما نريده بعلمنا القاصر.

لذلك، اجعلي دعاءك مقرونًا بطلب الخير والعافية، كما كان دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أسألُكَ صِحَّةً في إيمانٍ، وإيمانًا في حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحًا يَتْبَعُه فلاحٌ، وعافيةً ومغفرةً منك ورِضوانًا"، فقد تكون الصحة فتنةً، والإيمان مع سوء الخلق فتنةً، والنجاح اذا لم يكن مقرونًا بالفلاح فهو شر على الإنسان، فربّ خيرٍ ظاهر كانت عاقبته شرًا، وربّ منعٍ كان هو عين العطاء.

وأخيرًا: ترك الدعاء والسعي في بذل الأسباب التي تحقق لك ما تريدين من التواكل المذموم، والاكتفاء بالدعاء دون عمل أيضًا من التواصل المنهي عنه، قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، فلا بد من الجمع بين الأخذ بالأسباب والسعي الجاد، مع حسن الظن بالله، والطمأنينة إلى أن الله لا يضيع جهد العاملين.

أصلحي علاقتكِ بالله أولًا؛ فكل ما يصيب الإنسان إنما هو ثمرة ضعف هذه العلاقة، وضعف الصبر، فإذا استقر الإيمان في القلب، حلّت السكينة، واطمأنت النفس، وازداد اليقين بالله، وضعفت وساوس الشيطان.

بادري الآن إلى توبة صادقة، واجتهدي في الدعاء، وواصلي عملك وسعيك، وستجدين –بإذن الله– ثمرة ذلك طمأنينةً في قلبك، وبركةً في حياتك، وإنجازاتٍ يملؤها الخير والعطاء.

وفقكِ الله، ويسّر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً