السؤال
أعاني من البخل والشح الشديد جدا، فأنا أبخل على نفسي، وأبخل على إخوتي وأخواتي عندما يطلبون مني مالا، فأقول لهم دائما: "لا أملك"، رغم أن المال يكون بحوزتي في تلك اللحظة.
وإذا طلب أحدهم مني مالا، أرفض بحجة أنني لا أملكه، خوفا من ألا يرجع لي المبلغ، وفي كثير من الأحيان، لا أحب أن أعطي الآخرين مالا إذا طلبوه، خاصة إذا لم يذكروا أنه دين، مما يجعلني أشعر بالحرج لاحقا عند طلب استرجاعه، لذلك، أغلق الباب تماما وأقول: "لا أملك"، رغم أن الحالات الثلاث التي ذكرتها قد يكون أصحابها فعلا محتاجين.
وعندما أكون مع أشخاص في مواصلات، أو مطعم أو مقهى، لا أبادر بالدفع، رغم أن المال يكون معي، أبخل على نفسي كثيرا، فلا أركب المواصلات حتى لو كنت متعبا أو كان المشوار بعيدا، ولا أشترك في الإنترنت إلا نادرا، ودائما أطلب من الآخرين فتح الواي فاي لي.
أنا أعلم أجر الإنفاق، وقيمته في زيادة البركة وتيسير الأمور، ومع ذلك، أبخل على الناس وعلى نفسي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أ أشكرك على صراحتك وجرأتك في طرح مشكلتك، وهذا أول خطوة نحو التغيير الإيجابي بإذن الله، إن الاعتراف بالمشكلة هو بداية الطريق نحو الإصلاح، وأسأل الله أن يوفقك ويعينك على التغلب على هذا التحدي.
البخل والشح من الصفات التي حذر منها الإسلام بشدة، لما لها من آثار سلبية على النفس والمجتمع، قال الله تعالى:"ومن يوق شح نفسه فأو۟لـٰٓئك هم ٱلمفلحون"، (سورة الحشر: 9).
الشح هو حب المال حبا مفرطا مع الخوف من فقدانه، وهو من الأمراض القلبية التي تحتاج إلى علاج روحي ونفسي، كما قال النبي ﷺ:"اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم"،(رواه مسلم).
الشح يؤدي إلى القطيعة والبغضاء، ويمنع الإنسان من أداء حقوق الآخرين، بل حتى حقوق نفسه، وقال الحسن البصري رحمه الله:"ما رأيت شحا قط إلا كان معه سوء ظن بالله"، فالشح ينبع من ضعف الثقة برزق الله، والخوف من المستقبل.
يقول الشاعر: إذا جادت الدنيا عليك فجد بها ** على الناس طرا إنها تتقلب
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ** ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب
وهذا يعني أن المال زائل، والجود لا ينقص المال، بل يزيده بركة.
خطوات عملية للتغلب على البخل والشح:
• تذكر دائما قول الله تعالى: "وما أنفقتم من شىء فهو يخلفهۥ ۖ وهو خير ٱلرٰزقين"، (سورة سبأ: 39)، فالإنفاق في سبيل الله لا ينقص المال، بل يزيده بركة وخيرا.
• ابدأ بخطوات صغيرة، خصص مبلغا صغيرا يوميا، أو أسبوعيا للإنفاق على نفسك، أو الآخرين، على سبيل المثال: اشتر لنفسك شيئا بسيطا تحبه، أو قدم هدية صغيرة لأحد أفراد عائلتك.
• جرب أن تتصدق سرا دون أن يعلم أحد، هذا سيخفف من شعورك بالخوف من فقدان المال، ويزيد من ثقتك برزق الله.
• تذكر أن البخل قد يؤدي إلى فقدان محبة الناس، ويجعل الإنسان يعيش في عزلة، قال النبي ﷺ: "ما نقص مال من صدقة"، (رواه مسلم)، فالإنفاق يزيد المال ولا ينقصه.
• عندما تكون في مطعم أو مقهى، حاول أن تبادر بدفع الحساب ولو مرة واحدة.
• إذا كنت مع أصدقائك، اقترح أن تشارك في دفع تكاليف المواصلات.
• ادع الله أن يطهر قلبك من الشح والبخل، ومن الأدعية المأثورة: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"، (رواه البخاري).
• اقرأ عن كرم الصحابة والتابعين، مثل كرم عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، الذي كان يعرف بجوده وسخائه.
• تحدث مع شخص تثق به عن مشاعرك تجاه المال، واطلب منه أن يساعدك في محاسبة نفسك.
• ضع خطة مالية توازن بين الإنفاق والادخار.
• من الناحية النفسية، البخل قد يكون مرتبطا بالخوف من المستقبل، أو تجارب سابقة أثرت على علاقتك بالمال، اسأل نفسك: لماذا أخاف من الإنفاق؟ هل هناك تجربة سابقة أثرت علي؟
• حاول أن تثق بأن الله هو الرزاق، وأن المال وسيلة وليس غاية.
• إذا شعرت أن المشكلة تؤثر على حياتك بشكل كبير، يمكنك الذهاب إلى مختص نفسي يساعدك على فهم مشاعرك تجاه المال.
أحيانا قد يجاهد الإنسان نفسه على مثل هذا الأمر، ومن المجاهدة البحث عن الأسباب النفسية والشرعية، أحيانا قد يصاب الإنسان باضطراب الاكتناز (Hoarding Disorder)، ويشار إليه أيضا بـاضطراب التخزين، أو الاكتناز القهري، إنه اضطراب نفسي يتميز بصعوبة مستمرة في التخلص من الممتلكات، أو التخلي عنها، بغض النظر عن قيمتها الفعلية، مما يؤدي إلى تراكم كميات كبيرة من الأشياء والفوضى في أماكن المعيشة، الأمر الذي يعيق الاستخدام الطبيعي لهذه الأماكن، طبعا قد لا يكون هذا الاضطراب موجودا لديك، وإنما سقته هنا كمثال على وجود بعض المشاكل النفسية، التي قد تتحول إلى اضطراب من هذا القبيل ليس إلا، على سبيل المثال في حال كانت صفة البخل مرتبطة بأي تشخيص نفسي تفريقي، قد ترتبط أحيانا باضطراب القلق العام، أو باضطراب الوسواس القهري...إلخ.
لا نريد أن تضع في حسبانك هذه الاضطرابات كاضطرابات موجودة لديك، وإنما هدفنا أن تبحث عن وسائل علاج صفة البخل في كلا الجانبين النفسي والشرعي.
أخي الكريم: تذكر أن المال وسيلة لتحقيق السعادة وخدمة الآخرين، وليس غاية في حد ذاته، قال الله تعالى:"وأنفقوا۟ في سبيل ٱلله ولا تلقوا۟ بأيديكم إلى ٱلتهلكة ۛ وأحسنوٓا۟ ۛ إن ٱلله يحب ٱلمحسنين"(سورة البقرة: 195).
أسأل الله أن يرزقك قلبا سخيا، ونفسا مطمئنة، وأن يبارك لك في مالك ويجعله سببا في سعادتك، وسعادة من حولك، اللهم طهر قلوبنا من الشح والبخل، واملأها بالإيمان والكرم، ووفقنا لما تحب وترضى.
والله الموفق.