السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحببت فتاة ولم أتزوجها بسبب معارضة والدتي، لأنها كانت مطلقة، تزوجت بعدها وهي أيضا قد تزوجت، لكنها ظلت دائما تخطر ببالي، ولم أستطع نسيانها، وبعد انقطاع الأخبار بيننا ما يقارب 8 سنوات، حدث لقاء بيننا بسبب مشاكل عائلية لأطراف تجمعنا بهم قرابة.
ومنذ ذلك اللقاء، بدأنا نتحدث، خصوصا أن زوجها يعاني من مشاكل دائمة معها، ويطردها باستمرار من منزل الزوجية، ويقلل من شأنها ويسخر منها أمام الجميع، مستغلا خوفها من خوض تجربة طلاق ثانية، بعد أن خرجت من الأولى ومعها ابنة، ومنه هو معها ولد.
كنت أدعو الله أن يجعلها زوجة لي، ولكن حين سألت عن مشروعية هذا الدعاء، علمت أنه لا يجوز، وأنه يعد تعديا في الدعاء، لذلك دعوت الله كثيرا، وأقسمت أن يصرفها عني ويصرفني عنها، وينزع حبها من قلبي، ولم أترك موضعا يرجى فيه استجابة الدعاء إلا ودعوت فيه، وما زلت أدعو، ولكني لا أستطيع الابتعاد عنها، وهي أيضا حاولت كثيرا.
حاولت مرارا ألا أتصل بها أو أرد على رسائلها، ولكنني لم أستطع الاستمرار أكثر من أربعة أشهر، وبمجرد نزولي إلى بلدتي في إجازة، لم أتمكن من عدم الاتصال بها، لعلمي بكم السوء الذي تعيشه في تلك الفترة من معاملة زوجها لها.
فما السبب في عدم استجابة دعائي بالابتعاد عنها، رغم محاولاتي المستمرة حتى الآن؟ وماذا أفعل؟
للعلم: آرائي تجاهها ليست من منطلق الحب، (أقسم بالله) وإنما لعلمي بظروف حياتها، وبأسلوب زوجها في التعامل معها، وقد تعرفت إليه لاحقا، وتعاملت معه في بعض الأمور التي تخصها هي وابنتها، ورأيت منه الكثير من التصرفات المسيئة تجاهها أمامي، ومنها أمور لا تعلم عنها شيئا، ولن تعلم، مثل دخولها على أحد الأطباء للكشف، وطلب مني زوجها أن أدخل معها.
وفي المقابل، هي تظهره بصورة مثالية أمام أهلها وأمامي، حتى رأيت بعيني ما يناقض ذلك، ثم بدأت مؤخرا تحكي لأهلها بعدما ازدادت سوء المعاملة، وتزوجت ابنتها.
أعتذر عن الإطالة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الكريم- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، كما نشكر لك حرصك على الإحسان لهذه المرأة والتخفيف من معاناتها، وهذا من حسن خلقك، ولكننا نؤكد في الوقت ذاته -أيها الحبيب- أن بعض الخير الذي يتمناه الإنسان قد يخطئ الطريق الموصلة إليه.
وينبغي لنا أن نذكرك -أيها الحبيب- أن الشيطان شديد المكر بالإنسان، فهو يحرص على أن يأتيه من المداخل التي يحبها ويرغب فيها، ولو كانت في صورة فعل خير أو بعض الطاعات، فلا بد إذا من الحذر، ولا بد من أن يقف الإنسان عند الحدود الشرعية، فلا يتجاوز ما نهى الله تعالى عنه أو نهى عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم-،، وفي هذا العصمة من استدراج الشيطان، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان﴾.
ومن هذه الحدود الشرعية التي جاءت بها شريعة الإسلام للمحافظة على مصالح الزوجين والحفاظ على الأسرة القائمة، من هذه الحدود: المنع من إفساد المرأة على زوجها، وهو ما يسمى في الشريعة الإسلامية بالتخبيب، وقد جاءت فيه أحاديث مرهبة ومخوفة من أن يفعله الإنسان، فقال عليه الصلاة والسلام: ليس منا من خبب امرأة على زوجها (رواه أبو داود).
و"خبب" أي: أفسد، يقول العلماء: بأن يزين إليها عداوة الزوج، وأن يذكر لها مساوئ الزوج، أو يذكر لها محاسن رجل أجنبي آخر، أو يبدي لها هو بنفسه محاسنه، أو يتواصل معها ويوهمها أنه سيتزوج بها، أو يوصل إليها رسائل من هذا النوع، وهذا كله من التخبيب والإفساد، والله تعالى لا يحب المفسدين، وينهى عن الفساد في الأرض.
وإن كانت نيتك التخفيف عنها من المعاناة التي تعيشها، فهذه النية وهذا القصد لا يرفع هذا الإثم وهذا الوزر الذي ترتكبه، فدع الأمور تجري فيما قدره الله تعالى لها، وجاهد نفسك لقطع التواصل مع هذه المرأة ما دامت متزوجة، وإذا كان الله تعالى قد قدر بأن تتزوجها في مستقبل الزمان، فسيقع من حيث لا تحتسب، ومن حيث لا ترتكب إثما في الوصول إلى ذلك المقدر.
ومما يعينك على اتخاذ هذا القرار: أن تدرك أن هذا الموقف الذي أنت فيه وراءه الإثم والعقاب، وأن الإنسان قد يتعرض لعقاب من الله تعالى لا يقدر على تحمله، فتفسد به حياته.
وما فعلته -أيها الحبيب- من اللجوء إلى الله تعالى ودعائه بصدق واضطرار أن يصرف قلبك عن التعلق بهذه المرأة، هو الموقف الصحيح، وينبغي أن تضيف إليه أن تذكر نفسك باليأس منها، فإن طبيعة النفس الإنسانية أن تنسى الشيء الذي تيأس منه.
استعن بالله ولا تعجز، واحرص على ما ينفعك، ودع ما فيه مضرة لك في دينك أو دنياك، فهذه هي وصية النبي ﷺ الجامعة حين قال: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز (رواه مسلم).
ولا تدع الله تعالى بأن يزوجك بهذه المرأة؛ لأنها متزوجة، وهذا مظهر من مظاهر التعدي في الدعاء، دع الأمر لله -سبحانه وتعالى- وكن على ثقة ويقين من أن كل ما قدره الله تعالى لك سيكون وسيقع، وأن كل شيء من أرزاقك قد قدرها الله قبل أن تخرج أنت إلى هذه الدنيا، فطب نفسا واهدأ، وذكر نفسك بنعم الله تعالى عليك التي تعيش فيها أنت الآن، فإن تذكرك لهذه النعم يدفعك للرضا، وشكر الله تعالى على ما أعطاك، وبذلك تنال الحياة السعيدة المستقرة.
نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير، حيث كان، ويرضيك به.