السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوج منذ عشر سنوات، وكان زواجي إجباريا من قبل والدي؛ لأنها إحدى قريباتي، وهي أقل مني في المستوى العلمي، ومنذ ذلك الوقت، أعيش وفي داخلي نار تخبو وتعود أقوى من قبل، وأتساءل: كيف أجبرت على الزواج وأنا الرجل؟!
كلما تزوج أحد أصدقائي من امرأة تماثله في الدرجة العلمية، أشعر بالنقص؛ ليس حسدا (والله)، فأنا أتمنى لهم كل التوفيق، ولكنها حسرة على نفسي، وعلى ما أعيشه من عدم التوافق الفكري مع زوجتي.
أخشى أن أصل إلى الطلاق، فأغضب والدي، ولدي طفل منها، ولا أرغب في ظلمها أيضا، لكن كما قلت: هي نار مشتعلة وحسرة على نفسي، وعلى ما وصلت إليه.
أفيدوني بنصيحة، يرحمكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/سلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أخي الكريم في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول، وبالله تعالى أستعين:
ما حصل لك، وبدون شك، أمر مقدر عليك من قبل أن تخلق؛ لأن الله سبحانه قدر كل شيء، كما قال في محكم الكتاب: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، وقال ﷺ: قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، ولما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، وقال ﷺ: " كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز، والكيس: الفطنة.
لقد كان تصرفك من جملة الأسباب التي أوصلتك إلى هذه الحال، فبضغوط من والديك وافقت على الزواج، وكان لك اختيار الزواج أو رفضه، وقد بين الله تعالى اختيار العبد للأمور فقال: {وهديناه النجدين}، وقال: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا}.
صحيح أن المستوى التعليمي مطلوب، ولكن ذلك لا يعني عدم فشل الحياة الزوجية، وما تشعر به من ضيق وحسرة مفهوم ومشروع من حيث الطبيعة الإنسانية؛ فالإنسان بطبعه يميل إلى أن يختار شريكة حياته بنفسه، خاصة إذا كانت بينهما كفاءة فكرية وثقافية.
والزواج الذي يكون بالإكراه قد يترك أثرا نفسيا، خصوصا إن لم يبن على قناعة واختيار حر، ومع ذلك، فإن الواجب الشرعي بعد أن تم الزواج هو الوفاء بالميثاق الغليظ الذي بينك وبين زوجتك، والسعي بكل وسيلة إلى إقامة المودة والرحمة، لا سيما وقد رزقك الله منها ولدا.
التوافق الفكري والعلمي ليس وحده أساس السعادة الزوجية -وإن كان عاملا مؤثرا-، فكثير من الأزواج الناجحين بينهم تفاوت في المستوى التعليمي أو الثقافي، لكنهم يلتقون في القيم والدين والاحترام المتبادل، فيعيشون حياة طيبة، بينما نجد أزواجا متقاربين في الفكر والتعليم ولكن حياتهم مليئة بالشقاء والنزاع.
وبما أن الزواج قد تم، ولله الحمد، وصار لك ولد، وبما أنك فعلت ذلك طاعة لوالديك، فقد يجعل الله لك الخير والبركة والسعادة في هذا الزواج من حيث لا تشعر، والمهم هو أن تطمئن وترضى بما قدر الله لك، وصدق الله تعالى حيث قال: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
أوصيك أن تتدبر هذه الآية وتكرر تلاوتها يوميا، وهي قول الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}، فستجد فيها دعوة صريحة إلى الصبر وحسن العشرة، حتى مع وجود بعض النفور، إذ قد يخفي الله في هذا الزواج من الخير ما لا تعلمه، كصلاح ولدك، أو سكون نفسك، أو الاغتباط بهذه الزوجة، أو رفع درجاتك.
لا تنظر إلى زملائك فتجعل ذلك سببا لتعذيب نفسك، ولا تقارن نفسك بهم، فالله أعلم بحياتهم هل يعيشون بسعادة مع زوجاتهم أم هم في جحيم، وكل إنسان مبتلى بما لا يظهر للناس.
ولا تظن أن من تزوج ممن تناسبه فكريا قد وجد السعادة المطلقة؛ فالسعادة ليست في الشهادات ولا في المناصب، بل في طمأنينة القلب واستقامة الحال مع الله؛ فعليك أن تعتني بأسرتك، وتعمل على تثبيت أركانها، مع الاجتهاد في تثقيف زوجتك، فالإنسان لم يخلق عالما، ويمكنك السعي في رفع مستواها العلمي، وإدماجها في بعض الدورات المهمة.
لا تركز على مسألة التوافق التعليمي، وانظر إلى بقية صفات زوجتك الإيجابية وغلبها على تلك الصفة، يقول نبينا ﷺ: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر، فانظر إلى ما فيها من خير، وغض طرفك عما تكره، وذكر نفسك بأن الصبر على الزواج عبادة، وأنك بذلك تحفظ بيتك وولدك، وترضي والديك، وتؤجر على ذلك كله.
ولعل مستواها التعليمي يجعلها في غاية من الطاعة لك والاستجابة لتوجيهاتك، وهذا هو المطلوب من أجل استقرار الحياة، فالمفتاح الحقيقي للسعادة الزوجية هو: القبول، والتغافل، والتنازل، والتقرب إلى الله بالصبر والإحسان.
نوصيك بالتقرب من الله تعالى بالمحافظة على الصلوات الخمس، والإكثار من نوافل الصلاة والصيام، وتلاوة القرآن الكريم واستماعه، والتضرع بين يديه سبحانه بالدعاء، مع تحين أوقات الإجابة، وخاصة أثناء السجود، وسل ربك أن يصلح حالك، ويصلح زوجتك وولدك، ويقنعك بما رزقك؛ فالله قادر على أن يبدل حالك إلى راحة بعد عناء، وسكينة بعد اضطراب، وأن يفتح بينك وبين زوجتك بالخير، وييسر لك من أمرك رشدا، وكرر هذا الدعاء: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما}.
الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي ﷺ، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، وقال لمن قال له: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك.
أكثر من دعاء الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم.
أكثر من دعاء ذي النون، فقد ورد في الحديث: دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لن يدعو بها مسلم في شيء إلا استجاب له.
وأكثر من الأعمال الصالحة، فذلك من أسباب جعل الحياة طيبة مطمئنة، كما قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} .
نسأل الله تعالى أن يقذف في قلبك محبة زوجتك، والرضا بما قسم لك، وأن يجعل حياتك هادئة مطمئنة، ويصرف عنك وساوس الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، إنه سميع مجيب.
هذا، وبالله التوفيق.