السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسأل الله أن أجد إجابة وافية.
لقد كنت أغضب الله كثيرا، وداومت على ذنوب الخلوات وممارسة العادة السرية لسنوات طويلة، مع إدمان المخدرات، ثم ابتلاني الله بالسجن لمدة ثلاث سنوات، فأقلعت عن العادة والمخدرات، ثم عدت إلى ممارسة العادة، ووقعت فيها في نهار رمضان، وفقدت القدرة على الانتصاب في اليوم نفسه وأنا داخل السجن.
وبعد خروجي من السجن ذهبت إلى عدد من الأطباء لمعالجة مشكلة الانتصاب، وأخبرني جميعهم أن الأشعة والتحاليل سليمة، ودخلت في حالة نفسية سيئة استمرت ستة أشهر، وكنت خلالها أمارس العادة، ثم تركتها وبدأت في الصلاة والرياضة والدعاء والاستغفار، لكنني لم أكن منتظما، ولم أكن قويا على أداء الصلاة.
وقد من الله علي مرة أخرى، وبدأ الانتصاب يعود تدريجيا، وتحسنت حالتي بشكل جيد خلال أيام قليلة، وللأسف عدت إلى ممارسة العادة وذنوب الخلوات مرة أخرى، ولم أستطع كبح نفسي بعد عودة الانتصاب والنشاط الجسدي والقوة، فأغضبت الله، ثم فقدت القدرة على الانتصاب مرة أخرى في اليوم التالي مباشرة، ودخلت في حالة نفسية أسوأ من سابقتها، وذهبت إلى طبيب نفسي.
المشكلة أنني أعاني من تعب نفسي منذ لحظة دخولي السجن، وأنا الآن أعاني من الخوف والقلق والتوتر وفقدان الانتصاب، فهل الله -سبحانه وتعالى- قد سلب مني نعمة الانتصاب بسبب أنني أغضبته بعد أن من علي بالطاقة والعافية؟
لقد قمت قبل فترة بالبحث عن عودة النعم بعد زوالها، وقرأت كتابا في ذلك، وعرفت أن الله يعيد إلينا النعم بعد زوالها إذا تاب العبد، وقد حصلت معي المعجزة، فعادت إلي القوة والصحة والانتصاب، ثم عدت ومارست العادة في خلوتي، فسلبني الله النعمة مرة أخرى.
فهل الله يعاقبني على ما فعلت؟ علما أنني مرتبط بإنسانة ونخطط للزواج في الصيف القادم، لكن وضعي الجنسي الآن مخيف، وكذلك حالتي النفسية، فهل الله -سبحانه وتعالى- غاضب علي، ولن أوفق مرة أخرى؟ وهل ستعود نعمة الانتصاب مرة أخرى؟ وماذا أفعل؟ لأنني أشعر أن توبتي في المرات السابقة لم تكن صادقة، ولا أستطيع العيش مع كل هذه الأفكار والظروف المحيطة، فقد تدمرت حياتي، ولا أجد توفيقا من الله أو سعة في الرزق.
أرجو الرد على جميع الأسئلة، ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الفاضل- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يحفظك ويرعاك.
قبل كل شيء: يجب أن تعلم أن باب الله لا يغلق ما دامت الروح في الجسد، وأن الله أرحم بك من نفسك، وأنه سبحانه لا يمل من عودتك إليه مهما تكرر سقوطك، قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا}، ودعنا نجيبك من خلال ما يلي :
أولا: هل ما أصابك عقوبة أم ابتلاء؟
ينبغي أن تعلم أن الله سبحانه إذا أحب عبدا ابتلاه، والبلاء قد يأتي ليطهره ويعيده إليه لا ليعذبه، قال النبي ﷺ: إذا أحب الله عبدا ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه فقد يكون ما أصابك من ضعف في القدرة الجنسية ابتلاء لردك إلى الله، وقد نجح هذا البلاء في ذلك؛ لأنك عدت، واستغفرت، وتبت، وندمت، وكل ذلك من علامات العودة الصادقة -إن شاء الله-، أما أن تقول: إن الله سلبك النعمة عقوبة نهائية، فهذا لا يليق مع حسن ظنك بالله، فما دمت نادما، وتريد الإصلاح، فاعلم أن الله قادر على أن يعيد إليك العافية والسكينة.
ثانيا: التوبة النصوح وكيف تصح:
التوبة ليست كلمات تقال، بل هي تحول داخلي حقيقي، قال العلماء إن للتوبة ثلاثة أركان:
1. الإقلاع عن الذنب فورا.
2. الندم الصادق على ما فات.
3. العزم ألا يعود إليه أبدا.
وإذا تعلق الذنب بحق لله كالعبادة أو الصوم فعليك القضاء، وإذا تعلق بحق آدمي فعليك رده، فابك بين يدي الله، واعترف بضعفك، وقل له: "يا رب، إن نفسي تغلبني، فقوني عليها، واصرف عني أسباب السوء"، وتذكر قوله تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، وقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا}.
ثالثا: العلاقة بين الذنوب وفقدان القوة:
لا شك أن المعاصي لها أثر على الجسد والنفس، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن عقوبة المعصية أنها تذهب بركة العمر والرزق، وتورث الوحشة بين العبد وربه، وتضعف الجسد والقلب"، لكن ليس معناها أن النعمة لن تعود، بل يمكن أن تعود مع صدق التوبة، وقد قال الله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم}، والشكر يشمل التوبة والاستقامة، وقد ذكرت أنك لما أقلعت، عادت صحتك وقوتك، وهذا أوضح دليل أن الطريق إلى الشفاء هو الرجوع الصادق لله، مع العلاج المادي.
رابعا: العلاج الشرعي والعملي لما أنت فيه:
1. الابتعاد التام عن العادة السرية؛ فهي من أضرارها أنها تضعف الجسد والذهن والإرادة، وتقتل الدافع الطبيعي للزواج والعفة، وقد قال الله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون}، وكلما ضعفت تذكر لحظة الذنب حين خسرت صحتك، وقل في نفسك: لن أخسر نعمة ربي مرة أخرى.
2. المواظبة على الصلاة، ولو بشق النفس، فهي باب النور والطمأنينة، وسبب للشفاء من الخوف والقلق، قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، واعلم أن {الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.
3. الرقية الشرعية اليومية:
اقرأ كل صباح ومساء: الفاتحة آية الكرسي، الإخلاص والمعوذتين ثلاثا، وخواتيم سورة البقرة، ثم ادع بما شئت كأن تقول: اللهم طهر قلبي وجسدي، ورد إلي عافيتي، واغسل ذنوبي برحمتك.
4. الاجتهاد في إصلاح العلاقة بالله قبل الزواج:
لا تدخل حياتك الزوجية وأنت في صراع نفسي، بل اجعل الزواج ثمرة لتوبتك لا وسيلة للهروب من مشكلتك، فابدأ بالاستقرار الداخلي، وسترى كيف أن التوازن النفسي يعيد للجسد نشاطه -بإذن الله-.
5. العلاج الطبي والنفسي مع الاستغفار:
الأطباء حين قالوا إن التحاليل سليمة، فهذا يعني أن المشكلة نفسية أكثر منها عضوية، فاستمر بالعلاج النفسي، مع الدعاء والذكر؛ لأن التوتر والذنب المستمر يضعف القدرة الجنسية.
6. الإكثار من الاستغفار:
قال الله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} ثم قال: {ما لكم لا ترجون لله وقارا}، فكن وقورا مع ربك، وازدد خشية منه وخوفا منه، وأكثر من الاستغفار، فالاستغفار باب واسع لعودة النعم ودوامها.
أسأل الله أن يرزقك التوبة الصادقة، وأن يرد إليك عافيتك، والله الموفق.
__________________________________________
تمت إجابة الشيخ أحمد المحمدي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة الدكتور/ مأمون مبيض، مستشار الطب النفسي.
__________________________________________
نرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال، وثقتك بنا في هذا الموقع، عسى الله تعالى أن يتقبل منا جميعا.
أخي الفاضل: نعم من الواضح أنك عانيت خلال هذه السنوات، وأنت ونحن كما نعلم أن الله تعالى قد وجهنا وأرشدنا إلى الوجهة السليمة الصحيحة التي يمكن أن تضمن لنا الحياة الطيبة في هذه الدنيا، ونأمل أن تكون كذلك في الآخرة، والله تعالى حذرنا من الابتعاد عنه، فقال: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه:124]، فالابتعاد عن السلوك السليم والفطرة السليمة تكون له عواقب مؤلمة، سواء في الدنيا أو في الآخرة.
أخي الفاضل: أصارحك أن ما قمت به من هذه الأعمال والممارسات -وخاصة تعاطي المخدرات- فابتليت بما ابتليت به، ليس فقط في الجانب النفسي من الخوف والقلق والتوتر -كما ورد في سؤالك- وإنما حتى أيضا بدنيا، من فقدان أو ضعف الانتصاب، فتعاطي المخدرات من تأثيراتها المباشرة ضعف الرغبة والقدرة الجنسية.
ولكن باب التوبة دوما مفتوح، والله تعالى وعدنا ليس فقط بقبول التوبة، وإنما بتبديل الأعمال السيئة إلى أعمال صالحة، كما قال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما*ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} [الفرقان:70-71].
فبالعودة السليمة والتوبة النصوح إلى الله تعالى، يمكن للإنسان أن يستعيد صحته النفسية بعيدا عن الخوف والقلق والتوتر، والدخول في عالم الاطمئنان، وكذلك استعادة صحته البدنية.
لذلك: أنصحك بالاستمرار في الابتعاد عن هذه الممارسات -وخاصة تعاطي المخدرات- وبإذن الله تعالى ستستعيد صحتك البدنية، والقدرة على الانتصاب، وكذلك الصحة النفسية.
أذكر لك هذا، وخاصة أنك على وشك الزواج، وأنا أضمن لك -بإذن الله تعالى- أن استقامتك وابتعادك عن هذه الأمور سيعيد لك صحتك، وخاصة بعد شيء من الوقت.
بادر بالاستمرار على الاستقامة، وقد عانيت ما عانيت، فهذا المفروض أن يكون دافعا قويا لك لتستمر على الاستقامة، وأدعو الله تعالى لك بتمام الصحة والعافية، وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على هذه الاستقامة والابتعاد عن السلوك المنحرف، ولا تنسنا -أخي الفاضل- من دعوة صالحة في ظهر الغيب.