السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تأتيني وساوس كفرية، وأخاف أن أقول في نفسي كلاما كفريا، وأخاف أن أنطق به، أحيانا أشك أنني نطقت به وكفرت، سمعت أن العلاج الفعال -بإذن الله- هو الإعراض عنها، ولكنني لم أستطع، ولم أعرف كيف، الوساوس سيطرت على رأسي، وأشعر أنني سأجن، وأخاف إن تجاهلتها أن أكون قد رضيت بها!
أشعر وكأنني أنا من يتلفظ بالكفر في نفسي، والله، أشعر أنني سأجن، ما حكم حالتي؟ وما العلاج؟ وما نصيحتكم لي؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يطمئن قلبك، ويشرح صدرك، ويعينك على هذا البلاء.
فما تعانين منه من وساوس في العقيدة ليس كفرا، ولا نقصا في الإيمان، بل هو من وساوس الشيطان التي تصيب القلوب المؤمنة الصادقة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته).
وفي حديث آخر قال -صلى الله عليه وسلم- لما شكا إليه الصحابة مثل هذه الوساوس: (ذاك صريح الإيمان) أي أن كراهتك لهذه الوساوس دليل على صدق إيمانك، هذا هو الإجمال وإليك التفصيل:
أولا: الحكم الشرعي في حالتك:
أنت لست كافرة، ولا آثمة، ما دمت لا تتعمدين النطق بالكلمة الكفرية، ولا ترضين بها في قلبك، بل تكرهينها وتخافين منها، قال الله تعالى: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها﴾ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم)، وعليه: فما يدور في النفس من وساوس لا يحاسبك الله عليه؛ لأنه خارج عن إرادتك.
ثانيا: العلاج الشرعي والعملي:
1. الإعراض التام وعدم الاسترسال: أعظم علاج هو الإعراض عن الوساوس كليا، فلا تحاولي تحليل الفكرة، أو مقاومتها فكريا، بل تجاهليها فورا، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، واشتغلي بما ينفعك، قال تعالى: ﴿وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله﴾، وكلما وردت فكرة كفرية فقولي: "آمنت بالله" وغيري تفكيرك مباشرة دون خوف من أن تكوني قد رضيت بها؛ لأن مجرد خوفك منها دليل على براءتك منها.
2. قطع الشكوك المتعلقة بالنطق أو الرضا: من مكائد الوسواس أن يوقع الشك فيك، فيقول لك: هل نطقت؟ هل رضيت؟ هل كنت تقصدين؟ اعلمي أن هذه كلها وساوس محضة، واليقين لا يزول بالشك، فلا تلتفتي إليها أبدا، ولا تعيدي النظر فيها، فأنت على الإسلام والإيمان بيقين.
3. تقوية الإيمان والطمأنينة: أكثري من الدعاء والذكر، وخاصة أذكار الصباح والمساء، فهي حرز للمؤمن من الوسواس، واقرئي القرآن بتدبر، خصوصا سورتي البقرة والكهف، وحافظي على الوضوء والصلاة في وقتها، فهذه الأعمال تضعف سلطان الشيطان على النفس.
4. الجانب النفسي:
هذه الوساوس من أشكال الوسواس القهري الفكري، وهو مرض يصاب به كثير من المؤمنين لعدة أسباب منها: الحساسية الدينية العالية عند بعضهم، فحاولي ألا تراقبي نفسك أثناء التفكير، أو الصلاة، ولا تختبري نفسك لمعرفة إن كنت قلت، أو لم تقولي، وتجاهلي الفكرة وكأنها صوت خارجي لا شأن لك به.
وأخيرا: لا تظني أن الله سيحاسبك على أمر قهري لا تملكينه، فهو سبحانه أرحم بك من نفسك، وهذه المعركة بينك وبين الشيطان، ولن يغلب من استعان بالله واستعاذ به، ثقي أن الله يعلم صدق قلبك، وأنك تكرهين الكفر، وتخافين أن تسيئي إليه، فكوني على يقين أنه لن يضيعك، واجعلي شعارك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (آمنت بالله) ثم انتهي، وامضي في حياتك مطمئنة، واعملي بما تحبين من الطاعات، وستزول الوساوس -بإذن الله- شيئا فشيئا.
نسأل الله أن يشفيك شفاء تاما، وأن يبدلك طمأنينة وسكينة، ويكتب لك أجرا عظيما على صبرك وصدق نيتك، والله الموفق.