السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندما نبحث ونستمع إلى أمور تتعلق بالزواج، خاصة نحن كشباب، لا نرى إلا المشاكل والطلاق، وأن حياتك ستكون نكدا ولن تكون سعيدا، وعلى الجانب الآخر، هناك من يبالغ ويقول إن الزواج جميل ولا مشاكل فيه، وإن الحياة وردية والعصافير تزقزق... ومن هذا الكلام!
إجابة هذا السؤال ستكون فائدة لي ولغيري من الشباب؛ لئلا تكون لدينا تصورات خاطئة عن الزواج، فهل الزواج أغلبه سعادة وراحة والباقي مشاكل، أم أن نصفه سعادة ونصفه الآخر مشاكل، أم أنه غير ذلك؟
أرجو إعطائي أمثلة عن المشاكل التي تدور بين الزوجين؛ لأن في تصوري أن مشاكل الزواج تقتصر على أن الزوجين دائما يرفعان صوتهما على بعضهما، وأنهما دائما في خلاف لا ينتهي، وهل المرأة بشكل عام تجعل زوجها يعيش في نكد، وأنها تفتح ملفات قديمة قد أغلقت ونسيت، وقد تكون مرت عليها سنوات، أم أن ذلك تصور آخر خاطئ؟
وهل الزوجان اللذان يجتهدان في تحسين علاقتهما، ويتعلمان ويتثقفان في أمور الزواج، ويكون هناك وقت بينهما حتى عندما يكونان منشغلين، تستقر علاقتهما ولا تموت، لكي لا تكون العلاقة جافة بعد مثلا 20 عاما؟
وهل من المتوقع أن تكون زوجتي متعاونة على تنمية العلاقة، وتحسين نفسها والتقليل من عيوبها، حتى إن بادرت أنا أولا وحسنت نفسي وقللت من عيوبي، كي لا أجعلها تفهم مني أنها ناقصة وملومة على كل شيء؟ أم أن هذا النموذج قليل ويستحسن ألا أتوقع ذلك حتى إن بادرت وبدأت وركزت على نفسي أولا؟
وسؤال آخر حساس قليلا، وأعتذر إن كان يحتاج شيئا من التفصيل: نحن شباب الجيل الأخير انفتحنا على الإنترنت وكان له مميزاته الضخمة التي لم يكن أحد يتوقعها، كإتاحة المعلومات في كل مكان بضغطة زر، والجانب السيئ جدا هو ظهور النساء على وسائل التواصل الاجتماعي وهن يلبسن ملابس مثيرة للإعلانات مثلا، التي تظهر لنا ونحن لا نقصد أبدا أن نبحث عنها، فأصبح عندي تصور في العقل اللاواعي عن أن زوجتي ستلبس لي أشياء كهذه التي رأيتها، فهل هذا التصور أيضا خاطئ؟ وهل إذا أردت أن أستمتع بالنظر إلى جسم زوجتي فهذا الأمر يكون فقط عند الجماع فأفعل ما أريد وأنظر كما أريد؟
وأيضا: هل من المتوقع أنها في أغلب أوقات خلوتنا ستلبس ملابس ساترة، أم أن توقع شيئا كهذا ليس بغريب؟ وهل إذا لم تفعل ذلك فهل بإمكاني أن أطلب منها أن تلبس أشياء كهذه أو تخلع ملابسها كليا عند خلوتنا لأستمتع وليس بغرض الجماع؟ وآخر تصور: أن أتوقع أنها في خلوتنا ستبادر بنفسها بدون أن أطلب منها أن تلبس أو تخلع لأنها تريد سعادتي!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك من شر كل ذي شر.
دعنا نقسم الجواب إلى محاور لتتضح الصورة أكثر:
أولا: الزواج ليس جنة على الأرض ولا جحيما دائما، بل هو حياة بشرية فيها لذات وتعب، أنس ونصب، اتفاق واختلاف، قال الله تعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ [الروم:21]، فالمودة والرحمة هما الأساس، لا انعدام المشكلات.
السكينة لا تعني غياب الخلاف، بل القدرة على تجاوزه دون أن تهدم العلاقة، فالمشكلات في الزواج مثل الأمواج في البحر؛ من يعرف السباحة يتعامل معها، ومن يجهلها يغرق؛ فهي جزء طبيعي، لكنها لا تعني فشل العلاقة.
ثانيا: أمثلة على المشكلات الواقعية:
المشكلات ليست دائما صراخا وشجارا كما يتصور كثير من الشباب؛ فأغلب الخلافات تكون هادئة، في بدايتها:
• سوء فهم، أو اختلاف في أسلوب التواصل.
• توزيع المسؤوليات في البيت والمال.
• تفاوت الاهتمامات، أو الطباع، أو التوقعات.
• قلة الوقت المشترك بين الزوجين بسبب العمل أو الانشغال.
• الغيرة وسوء الظن أحيانا.
كثير من الأزواج الذين يرفعون أصواتهم لم يبدأوا بذلك، لكنهم لم يتعلموا فن الحوار والتهدئة، فتكبر الأمور مع الوقت.
ثالثا: هل النساء سبب النكد؟ هذا تصور خاطئ ومنتشر، فالمرأة لا تنكد بطبعها، وإنما تنكد حين تشعر بعدم الأمان، أو الإهمال، أو الظلم، وفي المقابل، الرجل حين يهان أو يتجاهل، يتغير هو أيضا، فالنكد نتيجة خلل في التواصل والمشاعر لا في الجنس نفسه.
المرأة قد تفتح ملفات قديمة؛ لأنها لم تشف من جرح عاطفي، أو لأنها تشعر بأن زوجها لا يفهم ألمها، فمن أراد تقليل ذلك، فعليه بالاستماع والتفهم لا الجدال.
رابعا: الأزواج الذين يتعلمون ويجتهدون، هذا النموذج موجود ولو أنه ليس الأغلب، فالعلاقة التي يجتهد فيها تنمو وتزدهر، وحين تبادر أنت بالإصلاح، وتحسن، وتتعلم، وتتعامل بتوازن دون شعور بالتفوق أو الندية، فستلهم زوجتك غالبا أن تفعل المثل، المرأة بطبيعتها تميل لمن يحتويها، ويعاملها بحكمة ورحمة، قال رسول الله ﷺ: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي (رواه الترمذي)، فابدأ بنفسك، لا لتغيرها فحسب، بل لتقود العلاقة إلى نضج حقيقي.
خامسا: التصورات حول المظهر والعلاقة الخاصة، الانفتاح الإعلامي شوه التصور عن الجمال والعلاقة الزوجية، ما تراه في الإنترنت ليس حقيقة ولا معيارا، المرأة المسلمة لا تطالب بأن تشبه العارضات، ولا الرجل يطالب بأن يشبه الممثلين، في الحياة الواقعية الزوجة قد تلبس لك أجمل ما عندها في الخلوة، وقد تمر أيام تكون متعبة أو منشغلة، وهذا طبيعي.
يجوز لك أن تطلب من زوجتك أن تتزين وتلبس ما يثير إعجابك في حدود الحلال والستر، كما يجوز لها أن تطلب منك مثل ذلك، لكن بلباقة ومودة لا بأمر وجفاء، أما خلع الثياب في الخلوة أو التزين الكامل؛ فهو مما يختص بالزوجين ولا حرج فيه شرعا إذا كان في إطار الاحترام والعفة، لكن أن تتوقع أن تبادر هي دوما أو تتصرف كما في الخيال المرئي، فهذا خطر؛ لأن تلك الصور مصطنعة، الواقع أجمل حين يبنى على الحياء والمودة، لا على المقارنة بالوهم.
سادسا: خلاصة التوازن:
• الزواج لا يقوم على المثالية، بل على الرحمة والجهد المشترك.
• المشكلات طبيعية، لكن التعامل معها هو الفارق بين النجاح والفشل.
• الزوجة الصالحة لا تنكد، بل تحتاج إلى أمان واحتواء لتزهر.
• الاهتمام المتبادل والتجدد المستمر هو سر دوام الحب بعد السنين.
• العلاقة الخاصة مجال للأنس والود، وليست ميدانا لتقليد ما يعرض في الشاشات.
وفقك الله تعالى.