والدي يعترض على كل تصرفاتي، ويراني مقصرة معه

0 2

السؤال

السلام عليكم.

أشعر بعدم التوفيق في حياتي بسبب أبي؛ فهو سيئ الطباع، وكثيرا ما يغضب على أتفه سبب، وأشعر بأنه يغضب كثيرا إذا لم أجعله في رأسي أول الأولويات؛ فلو نادى علي، فيجب أن آتي وأجيبه، ولا يقبل أن أتحدث معه من بعيد، ويجب أن أفتح باب المنزل، وهي أمور غير معتادة أن يطلبها الآباء، ويدققون على كل صغيرة، ويتصيدون أي زلة.

أعلم أن غالب الآباء يطلبون ماء، أو هاتفا، أو الريموت، ولا أنزعج من طلباته، لكن والدي أتعبني بالتدقيق والغضب، وأنا لا أستطيع أن أجعله أول الأولويات، وأشعر بأنه يفتعل المشاكل؛ لأن كثيرا من الأمور من الطبيعي أن يغفل الإنسان عنها، ولا يستطيع الإنسان توقع المستقبل في كل لحظة، والبقاء على حالة التأهب، والملاحظة الشديدة، فالناس مختلفون.

أشعر بعدم التوفيق؛ لأن كل ما له علاقة به لا أفلح فيه؛ فمثلا الجامعة كانت سيئاتها أكثر بكثير من حسناتها، خصوصا أنني أستحي وأكره الظهور دائما أمام الرجال، وأخاف أن أنظر بدون قصد، فتزداد ذنوبي، وقد فقدت التوفيق منذ أن كنت أدرس في المدرسة، وغالب الأمور التي استفدت منها تعلمتها لوحدي، ولا أدري هل عدم التوفيق في تعلم ديني من خلال الأكاديميات الإلكترونية -رغم محاولاتي العديدة- بسبب ذلك؟ وأنا لا أقضي وقتي على الهاتف أغلب الأيام، وقد حذفت منذ أشهر تطبيقات التواصل، مثل: الإنستغرام وغيره.

أرجو أن تفيدوني؛ فأنا أدعو الله كثيرا بالتوفيق، ولكنني أشعر بأن كل ما يتعلق بأبي يحبط عمله، وأشعر أيضا بالضيق منه، وبعدم الفائدة من كل ما يقدمه.

والدي لا يسمع النصيحة، ويرى دائما أنه على حق، وأرى فيه تكبرا شديدا نتيجة الكثير من المواقف، وخاصة من النساء.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيلاف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختي الكريمة: حفظك الله تعالى، ورزقك برا يرضيه عنك، ويشرح به صدرك، يبدو من رسالتك أنك تعانين تعبا نفسيا متراكما من شدة تعامل والدك، وتبحثين عن تفسير لما تشعرين به من ضيق، وعدم توفيق، وهذا إحساس طبيعي عند من يعيش في بيئة مليئة بالتوتر والمحاسبة على التفاصيل، ومع ذلك، فإحساسك هذا يدل على قلب حي، ما زال يريد الخير والبر، وهذا أول طريق الصلاح، فجزاك الله خيرا على صدقك وحرصك على رضا والديك، وهو أمر ستجدين بركته وثمرته في مستقبلك.

قبل كل شيء، تذكري أن الله تعالى جعل بر الوالدين بابا عظيما من أبواب القرب والتوفيق، فقال سبحانه: ﴿وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا﴾ [الإسراء: 23] ثم تأملي أنه لم يستثن أحدا، فقال: ﴿وإن جاهداك علىٰ أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا﴾ [لقمان: 15] أي أنه حتى الوالد المشرك الذي يأمرك بالكفر، لم يسقط الله تعالى حقه في الصحبة بالمعروف، فكيف بأب مسلم –وإن قسا أو أساء– ما زال له حق الوالدية وحرمة العمر.

أعلم أن والدك يرهقك بطباعه، وطلباته الكثيرة، وتدقيقه في التفاصيل، لكن انظري للأمر من زاوية مختلفة: فربما كبر سنه جعله يشعر أن مكانته بدأت تقل، وأنه بحاجة أن يشعر نفسه بأنه ما زال مسموع الكلمة؛ فبعض الآباء يغطي ضعفه بالتحكم، وجهله بالحب بالشدة.

وإليك -أختي- بعض الوصايا العملية التي تعينك على التعامل مع والدك بحكمة وذكاء، دون أن تعيشي هذه المشاعر التي نقلتها في رسالتك:

1. غيري نيتك في خدمته: لا تفعلي لأجله هو فقط، بل لأجل الله تعالى، وكرري في قلبك: "اللهم اجعل خدمتي له قربة إليك"، فحين تتحول الخدمة إلى عبادة، يزول الضيق، لأنك تتعاملين مع الله تعالى، لا مع طبع والدك.

2. بادري قبل أن يطلب: إذا عرفت ما يحب (كأن تقدمي له الماء، أو تفتحي له الباب)، افعلي ذلك قبل أن يطلبه؛ فالمبادرة تطفئ كثيرا من غضبه، وتشعره بالاهتمام الذي يبحث عنه، وربما زال الكثير من الطلبات مع مرور الأيام، كونه يراك مبادرة حريصة على ما يحب.

3. استبقي الغضب بالخيارات: بدل أن تنتظري أمره المباشر، خيريه بلطف: تريد الشاي الآن أم بعد قليل، أحضر لك الماء البارد أم الدافئ؟ هذه الطريقة تمنحه شعورا بالسيطرة، دون أن يشعر أنك تتحدينه.

4. اختاري وقت الهدوء للمصارحة: إن وجدت والدك يوما هادئا؛ فعبري له عن حبك له، وامتنانك لجميل ما يقدمه، وضمنيها عبارات بسيطة هي بمثابة اللفتة الحانية له نحوك، كأن تقولي له: أحب أن أكون سبب راحتك يا أبي، ولكنني أحيانا أتعب عندما تصرخ، فساعدني لأكون ابنتك التي تفرحك؛ فالكلمة اللطيفة تذيب ما لا تذيبه الشكاوى، فاحرصي عليها.

5. أكثري من الدعاء له بالهداية واللين؛ فالدعاء يغير النفوس، وأنت لا تعلمين ما في صدره من هم أو ضيق قد يكون بسبب طباعه القاسية.

6. اجعلي لك خلوة يومية مع القرآن؛ ففيه سكينة تعينك على تحمل ما لا يحتمل، ولا تجعلي شعورك بعدم التوفيق حاجزا بينك وبين العبادة، بل اجعليه دافعا للالتجاء إلى الله تعالى أكثر.

7. تعاملي مع غضبه كحدث مؤقت، لا كحكم دائم، ولا تفسري كل ما يصدر منه أنه كره أو رفض لك، بل هو ضعف في ضبط نفسه، وليس بالضرورة أن غضبه يعني غضب الله تعالى عليك.

8. إذا ضاق صدرك، ففرغي مشاعرك كتابة، أو بالحديث مع مستشارة موثوقة؛ حتى لا تتراكم المشاعر السلبية داخلك، ولا تتذمري من والدك أمام أحد، ولا تذكري هذا الأمر للآخرين، إلا إذا كان لطلب المشورة.

9. اعلمي -أختي- أن ما تشعرين به من ضيق ليس بالضرورة أن يكون عقوبة، بل قد يكون ابتلاء، ورفعة للدرجات؛ قال النبي ﷺ: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم" (رواه الترمذي).

أخيرا: أنت على طريق خير ما دمت حريصة على رضا الله تعالى وتقواه في والدك، فاثبتي، واحتسبي كل تعب مع أبيك صدقة خفية لا يعلمها أحد، وستجدين أثرها نورا وتوفيقا في حياتك، ولو بعد حين، وأختم بقوله ﷺ: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه" رواه الترمذي.

فاصبري واحتسبي، وسترين من الله تعالى توفيقا يدهشك، فـ"من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس"، وفقك الله لبر والديك، وطمأنك بما يسر.

مواد ذات صلة

الاستشارات