السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرغب في نشر منشورات على موقع فيسبوك تعبر عن آرائي وأفكاري، إضافة إلى كتابة قصص قصيرة من تأليفي، لكنني لا أعرف كيف أبدأ ولا متى.
في السابق كنت أحذف المنشور إذا لم يتفاعل معه الناس، والآن مضت سنوات طويلة لم أنشر خلالها شيئا، وصفحتي خالية تماما، ولا أعلق على منشورات الأصدقاء، ولا على الصفحات الإخبارية عامة، فهل تنصحونني بالنشر والتعبير عن نفسي وأفكاري؟
أرى أن النشر قد يتيح لي مداخلات ومعارف ومتابعين، كما أن له دورا في التخفيف من الرهاب الاجتماعي؛ إذ إن امتناعي عن النشر كان بسبب الخجل، ليس لدي أعمال جاهزة للنشر، لكن إن نصحتموني بذلك فسأبدأ بالنشر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكرك لتواصلك معنا وثقتك بموقعنا، ومرحبا بك مجددا بعد هذه الفترة من الانقطاع عن التعبير والمشاركة.
أما بخصوص استشارتك هذه؛ فإنا نحب أن نقول لك في تسلسل أو نقاط محددة:
أولا: نتفهم تماما تلك الرغبة العميقة في التعبير عن الذات ومشاركة الأفكار والقصص، وفي الوقت ذاته فإنا نشعر معك بتلك المشاعر من التردد والخجل، ومقارنة النفس بردود أفعال الآخرين، ولا عجب أن يكون حذف المنشورات سابقا لقلة التفاعل دليلا على حساسيتك تجاه آراء المحيطين، وهذا أمر طبيعي، لكنه قد يتحول إلى قيد يمنعك من الانطلاق؛ ومع ذلك، فإن صفحتك الخالية الآن ليست فراغا، بل صفحة بيضاء تنتظر منك أن تملأها بما يمثلك حقا، وهذا بحد ذاته قوة ورغبة صادقة في التغيير.
ثانيا: لا بد أن نذكرك أن نية المسلم خير من عمله؛ لذا قبل أي خطوة، قم بتصحيح نيتك واجعل هدفك من النشر الإفادة ونشر الكلمة الطيبة، والتدرب على الشجاعة في الحق، والسعي لعلاج النفس وتطويرها؛ فعندما تكون نيتك خالصة لله تعالى، لن يضرك عدم تفاعل الناس؛ لأن الأجر والثواب يأتيان من الله وحده، وليس من عدد الإعجابات أو ردود الفعل.
ثالثا: عليك أن تتوكل على الله تعالى، واعلم أن من يتوكل على الله فإن الله هو حسبه، واستحضر في نفسك شعيب عليه السلام: ﴿وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾ [هود: 88]، واعلم أن مخاوفك ما هي إلا وسوسة، والحاجز بينك وبين الانطلاق هو الخوف من رد فعل الناس، وهو حاجز وهمي يضعفه التوكل والإقدام؛ لذا ننصحك بشدة بالنشر والتعبير عن نفسك وأفكارك وقصصك، وهذا هو التحليل والتوجيه التفصيلي الذي سيعينك -بإذن الله- على المضي قدما.
رابعا: ما ذكرته حول دور النشر في علاج الرهاب الاجتماعي، نظرة ثاقبة وصحيحة؛ إذ إن عدم النشر والتعبير يعد شكلا من أشكال تجنب المواقف الاجتماعية التي تسبب لك القلق، وهو ما يسمى بالعزلة الافتراضية؛ ومن هنا يأتي دور العلاج السلوكي المعرفي لمثل هذه الحالات، والذي يقوم على مبدأ التعرض التدريجي للموقف المخيف.
خامسا: ابدأ أولا بالتعليق على منشورات الأصدقاء، ثم انتقل إلى التعليق على صفحات الأخبار العامة بعبارات قصيرة ومحترمة، وبعد ذلك ابدأ بالنشر على صفحتك الخاصة دون الالتفات إلى عدد التفاعلات، وكل منشور تقوم به سيكون بمثابة تمرين علاجي لكسر حاجز الخجل والرهاب، وتذكر أن هذا تدريب، والتدريب لا يشترط فيه الكمال.
سادسا: لا تنتظر اللحظة المثالية، فالكمال وهم يمنعك من البدء، وخير البر عاجله، وابدأ أولا بكتابة قصتك الأولى -أو رأيك الأول- في ملف خاص على جهازك، وخصص وقتا يوميا للكتابة، حتى لو كان عشر دقائق فقط.
سابعا: غير معيار النجاح من (عدد التفاعل) إلى (مجرد النشر)، فاليوم الذي تنشر فيه يعتبر يوم نجاح بغض النظر عن الردود، وبالتالي فإن النشر يفتح باب (المداخلات)، وهذا هو الهدف الأساسي: التواصل البشري، مع مراعاة أن المداخلات قد تكون إيجابية أو سلبية أو مختلفة في الرأي.
ثامنا: إليك تبعا للنقاط السابقة نقاط أخرى عليك أن تنتبه لها:
• تقبل أن الناس مختلفون، وهذا في حد ذاته ثراء؛ فلا يوجد رأي يتفق عليه الجميع، كما قيل:
وما كل فعل سر يوم فعلته *** يسر به من ساء منه وأوجعا.
• ركز على الردود الإيجابية والمحترمة، وتجنب الدخول في جدالات عقيمة؛ فالرد المحترم على النقد، أو حتى التجاهل اللطيف للنقد الجارح، هو دليل على النضج والثقة بالنفس.
• ما دمت قد قررت النشر، فابحث عن موضوعات تشغلك وتجد فيها متعة شخصية.
• ابدأ بالقصص القصيرة؛ فالقصص هي نافذة جميلة لعرض الأفكار والعواطف.
• لا يشترط أن يكون رأيك عميقا جدا في البداية، ابدأ بملاحظة فكرية أو تساؤل بسيط.
• لا تكثر من النشر في البداية، اكتف بالنشر مرة أو مرتين في الأسبوع؛ لتبني لنفسك روتينا صحيا ومريحا.
تاسعا: تذكر -أخي الكريم- أن القصة الخالية من الأحداث، والصفحة الخالية من الكلمات، تشبه حياة بلا أثر؛ إذ يعرف الإنسان بما يقول وما يفعل، فالنشر هو وسيلة لترك أثر طيب، ولتطوير ملكة الكتابة لديك، كما أنه جسر للعبور من الخجل إلى الثقة؛ لذا ابدأ بخطوات صغيرة، وسترى كيف يتبع التغيير الإيجابي بعضه البعض، وسرعان ما تتحول هذه المخاوف إلى مجرد ذكرى.
عاشرا: لا تتردد في استشارة أخصائي نفسي مؤهل، إذا شعرت أن الرهاب الاجتماعي يزداد تأثيره على جوانب حياتك الأخرى، فطلب المساعدة قوة لا ضعف.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل، وأن يوفقك للتعبير عن نفسك بأفضل صورها، وأن يبارك لك في وقتك وعملك.