الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أستسيغ تضييع وقتي مع الشباب في الملهيات، فكيف أستفيد منه؟

السؤال

لا أذهب في المساء للجلوس مع الشباب في النادي (للكوتشينة والدومينو)، وهناك مجموعة تجلس للأنس فقط، أنا أري النادي مضيعة للوقت ومذهب للمروءة، وعلى العكس الآخرون يرون الجلوس في النادي عنوانًا للرجولة.

كيف أقضي وقتي في الأمسيات؛ لأني أجلس في المنزل بعد المغرب إلى وقت النوم، ولا أخرج تمامًا؟

ملاحظة: ليس لدي أصدقاء، ولا أمارس أي نشاطات دينية وثقافية ورياضية، أو أي شيء آخر.

لكل شخص في مجتمعنا مجموعة من الأشخاص ينتمي إليهم سواءً في النادي، أو المنابر التقليدية في الحي، أو محلات شرب القهوة، أو الجلوس في الطرقات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتفهم تمامًا حيرتك، وشعورك بأنك في وضع مختلف عن المحيطين بك، إن شعورك بأن الجلوس في النادي لممارسة اللعب قد يكون مضيعة للوقت، هو شعور نابع من وعي وإدراك لأهمية الوقت في حياة المسلم، وهذا بحد ذاته نعمة وقوة تميزك.

كما أن إدراك حجم الفراغ الذي تشعر به في المساء، وعدم وجود أصدقاء، أو أنشطة بديلة يملأ هذا الوقت، هذا أمر قد يسبب الوحدة أو الضيق، وكونك ترفض الانخراط فيما تعتبره مضيعة للوقت، وتجلس في المنزل، يدل على سمو في همتك وحرصك على ما ينفع.

منظورك بأن النادي مضيعة للوقت، يتوافق تماماً مع المنظور الإسلامي الذي يشدد على قيمة الوقت، وأنه مسؤولية سنُسأل عنها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"، (رواه الحاكم).

وقت الفراغ هو فرصة عظيمة للبناء والتقدم، وليس مجرد وقت لقتل الفراغ والترفيه.

أما عن ربط الآخرين للجلوس في النادي بالرجولة، فهذا مفهوم اجتماعي قد يكون غير دقيق، ومخالف للمفهوم الإسلامي.

الرجولة الحقة في الإسلام هي:
1. الاستقامة على أمر الله.
2. تحمل المسؤولية تجاه النفس والأهل والمجتمع.
3. العفة وصيانة النفس والوقت عن اللغو والباطل، قال تعالى في وصف رجال مؤمنين: "رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ" (النور: 37)، الرجولة هي في علو الهمة، لا في نمط الترفيه.

للتغلب على الفراغ، وتكوين دائرة اجتماعية هادفة، إليك خطة عملية تتضمن جوانب إيمانية وعملية:

• اجعل وقتك بعد المغرب وحتى صلاة العشاء وقتاً مخصصاً للسكينة الإيمانية، حافظ على أذكار المساء.
• اجعل لنفسك ورداً يومياً من القرآن الكريم لا تتنازل عنه، قراءة وتدبرًا ولو صفحة واحدة يومياً خير من وقت يضيع.
• الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، والاستغفار.
• تذكر أن الجلوس وحيداً في طاعة، خير من ألف جلسة في لغو، والإنس الحقيقي هو بالله تعالى.
• استغل هذا الوقت لتطوير مهارة جديدة تخدم دينك ودنياك، اقرأ كتباً نافعة في مجال اهتمامك (التاريخ الإسلامي، التنمية الذاتية، السيرة النبوية)، تعلم لغة جديدة أو مهارة حاسوبية مطلوبة (البرمجة، التصميم).

• استمع إلى دروس، وخطب إسلامية هادفة، ومحاضرات علمية عبر الإنترنت (هذا خير من ضياع الوقت في القيل والقال).
• ابحث عن حلقات العلم، أو تحفيظ القرآن في المسجد بعد صلاة العشاء، هذه هي المنابر الحقيقية للرجولة والعلم والتقوى.
• ابحث عن الأنشطة التطوعية أو الخيرية التي تنظمها المؤسسات الإسلامية، أو الاجتماعية في منطقتك، هذه طريقة ممتازة للتعرف على أشخاص صالحين لهم نفس الهمة.
• اشترك في نادٍ رياضي، أو مارس رياضة فردية أو جماعية بشكل منظم، كالهرولة في وقت محدد، أو الذهاب لمركز لياقة، الأهداف الرياضية تمنح شعوراً بالإنجاز، وتبني شخصية قوية.
• الأصدقاء الصالحون هم من يعينون على الطاعة، ابحث عنهم في بيئات العمل الصالح (المسجد، حلقات العلم، العمل التطوعي).

تذكر أن كسر العادة أصعب من صنعها، ولكنك تملك الإرادة والنية الصادقة، ابدأ اليوم بخطة عمل لثمانية وأربعين ساعة قادمة، حدد فيها نشاطين مفيدين ستقوم بهما في أمسيتك، لا تنظر إلى حجم العمل الكبير، بل ابدأ بخطوات صغيرة ثابتة، وسيكرمك الله بالتوفيق.

أسأل الله العظيم أن يبارك لك في وقتك، وأن يمنحك السكينة في وحدتك، وأن يرزقك الصحبة الصالحة التي تعينك على طاعته.

وفقك الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً