السؤال
السلام عليكم.
أنا مطلق منذ سنتين، وبعد الطلاق عاش الأولاد عندي لمدة سنة، وحصل خلال هذه السنة العديد من المشاكل بيني وبينهم؛ بسبب إهمالهم الدراسة، ونظافة البيت، والعديد من الأمور، وأنا كموظف معظم وقتي في العمل، وقد حاولت بكل جهدي أن أقضي معهم ما استطعت من الوقت.
المشكلة في الابن الأكبر؛ الذي كان يضيع وقته في مشاهدة الأفلام الاباحية، بالرغم من أنني جلست معه أكثر من مرة دون فائدة، وفي آخر مرة قمت بضربه بعد أن دخلت عليه وهو يشاهد هذه المحرمات، الأمر الذي دفعه لمغادرة المنزل، والذهاب إلى أمه، وفي اليوم التالي فوجئت أن إخوانه قد لحقوا به بعد الاتفاق مع أمهم، التي بدورها قامت بالذهاب بهم إلى مركز الشرطة (حماية الأسرة)، وتقديم شكوى ضدي بالإساءة إليهم.
الموضوع حدث قبل سنة، والأولاد لم يتحدثوا معي بعدها، أو يزوروني، أو يسألوا عني؛ حيث انتقلوا للعيش في منزل والدتهم.
سؤالي: هل علي إثم بعدم السؤال عنهم؟ وهل أعتبر قاطع رحم؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الأخ الكريم- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، والحرص على السؤال، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يعينكم على تجاوز هذه الصعاب؛ فإن تربية الأبناء من الصعوبة بمكان، وتزداد الصعوبة وتتعقد الأمور في حال حصول الطلاق، ويشتد الأمر جدا، ويزداد صعوبة عندما لا تكون هناك خطة موحدة، أو وفاق بين الزوج وزوجته في إدارة الأبناء، والاتفاق على مستقبلهم، وما يصلحهم، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينكم على رأب هذا الصدع؛ فإن الزوجية تنتهي، لكن الوالدية تظل مستمرة، والأبناء بحاجة لآبائهم، كما هم بحاجة لأمهاتهم.
والصواب أن تشجع الأم أبناءها على بر والدهم، وأن يشجع الوالد أبناءه على بر أمهم، هذا هو الذي ينبغي أن يحصل، ونحن لا نؤيد فكرة الانقطاع عنهم رغم ما حصل؛ لأن هذا في النهاية يلحق بهم الضرر؛ فهم بحاجة في هذه المرحلة إلى التوجيهات، والواضح أنك تهتم بالأمور المهمة، فإن دين الأبناء هو الأغلى.
والسبب في ضرب هذا الولد، أو التشديد عليهم؛ هو حرصك على أن يكونوا مطيعين لربهم -تبارك وتعالى-، حريصين على مستقبلهم وحياتهم، وبعدك عنهم سيجعلهم يتمادون في الإهمال، ودائما الأطفال قد يذهبون إلى الجهة التي تتيح لهم أن يلعبوا، وأن يفعلوا ما يريدون، وهذا ليس في مصلحتهم؛ لأن النبي ﷺ يقول: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، ... والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته.
ونتمنى أن تكون الصورة واضحة أيضا بالنسبة للأم، وأن تكون حريصة على صلاتهم وصلاحهم، وتجنبهم مشاهدة ما يغضب الله -تبارك وتعالى-؛ لأنها مسؤولة أيضا عليهم، فقد قال النبي ﷺ: والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.
وعليه: أرجو أن تقطع هذا الهجر، وأن تتواصل معهم، والسؤال عنهم، والاهتمام بهم، والاقتراب منهم رغم تقصيرهم؛ لأن هؤلاء ميراث لنا بعد أن ندخل قبورنا، وامتداد لعملنا الصالح، ودور الأب كبير جدا في هذه المرحلة؛ المرحلة التي يصل فيها الأبناء إلى سن المراهقة، الأم وحدها لا تستطيع السيطرة عليهم، كما أن الأم قد تسيطر عليهم داخل البيت، ويبقى بعد ذلك مسؤولية من يراقبهم خارج البيت، ويراقب تصرفاتهم، ودراستهم، وصلاتهم، وحضورهم مع المجتمع، وتفاعلهم مع الناس.
وإذا كانوا قد قصروا في زيارتك فأرجو ألا تقصر، ولا شك أن هذه الاستشارة لو جاءت من الأبناء لشددنا عليهم، وطالبناهم ببر والدهم، وأن يحسنوا إليه، وأن يهتموا به، وأن يقبلوا توجيهه وتأديبه، لكن -بكل أسف- هم قصروا في هذا الجانب، وأرجو أن تقوم أنت بالواجب الذي عليك، ولا تتركهم وأهواءهم؛ لأننا بهذه الطريقة نحقق لهم ما يريدون.
إذا كان هذا الابن قد طرد أو ضرب بسبب هذه الأمور المحرمة، فهناك قد تتيسر له هذه الأمور، وإلا لماذا لم يهرب مرة أخرى إليك؟ ولذا الشريعة تراعي في مسألة الحضانة ومسألة الأبناء، المصلحة الشرعية لهم، والبيئة النظيفة التي ينبغي أن ينشؤوا فيها.
ولذلك أتمنى أن يكون أولا هناك تواصل، وسؤال عن احتياجاتهم، والاهتمام بهم، وإذا كان الابن الأكبر هو صاحب المشكلة، فما ذنب البقية الذين تبعوه؟ لذلك فإن تواصلك معهم، واهتمامك بأمرهم، ودراستهم، وشؤونهم، والإنفاق عليهم؛ من الأمور المهمة التي سيكون لها أعظم الأثر.
أما هذا الهجران، والبعد عنهم، وعدم السؤال عنهم، سيتيح الفرصة لهم بأن يتمادوا، ويجعل المجتمع يضعك في موضع الملام المقصر.
نحن لا نملك أغلى من أبنائنا، وصلاحهم امتداد لعملنا الصالح، فأرجو أن تغير طريقة التعامل معهم، وتحاول أن تصل من قطع؛ ليس لأنهم هم الأحق بذلك، ولكن لأنك المستفيد من صلاحهم، وحسن تربيتهم، وهذا واجب، يقول الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا﴾ [التحريم:6]، ويقول سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} ثم قال: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} [التغابن:14].
ولا شك أن الابن قصر فيما حصل منه في معصيته لله، وقصر في خروجه، وقصر في أخذه لإخوانه، ولكن الخطأ لا يعالج بالخطأ.
نسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يقر أعيننا بصلاح الأبناء والبنات، هو ولي ذلك والقادر عليه.
هذا، وبالله التوفيق.