والدي يحدث الناس أني عاق رغم أنه يرفض الحديث والحوار معي!!

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي مشكلة مع والدي منذ ست سنوات؛ بسبب صلة الرحم لـ (جدي لأمي، وجدتي لأبي)، فقد كنت أصلهم رغم ما كان بينهم من مشكلات، فلما علم بذلك طردني من المنزل ورفض التواصل معي، ومنذ ذلك الحين لم أتصل به وانقطعت العلاقة تماما.

لقد أصبح يفتري علي في حديثه ويخبر الناس أني عاق له، مع أنه هو من يرفض الحديث ولا يقبل الحوار، ويميل لفرض العقوبات على أتفه الأسباب، وقبل سنتين طرد أمي وأخواتي من المنزل لأسباب غير منطقية، وهم الآن يقيمون معي، حيث أعولهم وأقوم بشؤونهم، ولا يوجد قريب منا يتدخل لحل الموضوع؛ فكل من حولنا يضمرون لنا السوء ولا يتمنون لنا الخير.

تزوج أبي من امرأة أخرى، ورغم أن أخواتي في سن الزواج والدراسة، إلا أنه لا يلتفت إليهن ولا يسأل عنهن، وعلمت من الناس أنه يبرر زواجه برغبته في إنجاب "أبناء صالحين" بدعوى أننا لا نفع فينا، رغم أننا كنا نطيعه ولا نناقشه كثيرا، لقد انشغلت بعملي ولم أعد أسأل عنه، حتى إنني أحيانا أعده في حكم الميت؛ لأنني لا أسمع أخباره إلا نادرا ولا أراه.

سؤالي: هل أنا عاق له فعلا؟ وكيف أصلح الأمر؟ لا يهمني قول الناس، ولا يهمني هو، بقدر ما يشغل بالي رضا الله؛ فلا أريد أن أكون عاقا فأندم!

أرجو الرد بجواب كاف وشاف يريح بالي، وجزاكم الله خيرا، وسدد خطاكم، ووفقكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- في إسلام ويب، وأسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يجزيك خير الجزاء على ما تحمله من هم النفقة والرعاية لأمك وأخواتك، وأسأل الله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه، وسوف أرد على استشارتك ردا وافيا -بإذن الله تعالى-.

ما تصفه ليس خلافا عابرا، بل هو قطيعة من جهة الأب مع تعسف وظلم ظاهر، وإسقاط لمسؤولياته الشرعية تجاه زوجته وبناته، مع اتهام لك بالعقوق بغير بينة، وهذا النوع من الحالات يكثر فيه اضطراب المفاهيم، فيحتاج إلى ضبط شرعي دقيق.

أنت لست عاقا لوالدك بناء على ما ذكرت للأسباب الآتية:
العقوق هو الإيذاء والاعتداء، أو القطيعة من غير سبب شرعي، أما إذا كان الوالد هو الذي طردك، ورفض التواصل، ولم يقبل الحوار، وقطع النفقة عن زوجته وبناته، وافترى عليك أمام الناس، فإن القطيعة هنا صادرة منه لا منك، ولا تنسب إليك شرعا.

صلة الرحم واجبة، وما فعلته من صلة جدك من جهة الأم طاعة وقربة، ولا يجوز للوالد أن يمنع منها بلا سبب شرعي، قال تعالى: ﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولٰئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمىٰ أبصارهم﴾، وقال: ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام﴾.

طرد الوالد لزوجته وبناته بغير موجب شرعي معصية وظلم، والظلم لا يطاع فيه؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقال: لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف، ولا يلزمك شرعا أن تتحمل تبعاته النفسية أو الاجتماعية.

تحملك النفقة على أمك وأخواتك بر عظيم، بل هو من أوضح دلائل البر، ويرجى لك به أجر عظيم عند الله، وإذا أساء الوالد أو ظلم، فلا يجوز للولد مقابلته بالإساءة، لكن لا يكون امتناعه عن التواصل في حال تعذره عقوقا.

بر الوالد لا يلزم فيه عدم إساءته؛ فبره واجب وإن أساء؛ لأن الله لم يشترط في بر الوالدين ذلك، بل قال: ﴿وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا﴾، فالبر لا يسقط كله، ولكنه في مثل حالتك ينتقل إلى الحد الأدنى الممكن دون ضرر، فأنت قد تحملت عنه أسرته التي يجب عليه أن ينفق عليها، ومن الحد الأدنى في برك لوالدك سلامة قلب نحوه؛ لا تتمنى له شرا، ولا تشمت به، ولا تدع عليه، بل ادع له بالهداية والصلاح، ابق على تواصل معه ولو بالهاتف أو برسالة نصية، وحاول زيارته وإعطاءه شيئا من المال أو الهدايا؛ فالهدية تجلب المحبة، فإن رفض ذلك فقد أديت ما عليك وأبرأت ذمتك.

لا تقل: لا يهمني هو أي والدك، بل يهمك رجوعه للحق واستقامته، وإن كان قلبك يرفض أفعاله تلك، لكن احذر من أن تحقد عليه؛ فهو في الأول والآخر والدك، واحذر أن يتحول هذا الشعور إلى قسوة أو حقد أو قطيعة قلبية كاملة.

كلام الناس لا يقدم ولا يؤخر عند الله، فالله هو المطلع على السرائر، ويعلم الظالم من المظلوم، فاثبت على العدل، ودع الله يتولى السرائر.

اجتهد في السعي لإصلاح الأمر، واحتسب الأجر عند الله تعالى، فإن وجدت من والدك إعراضا فاترك، وعد بعد فترة لعل الظروف تتهيأ.

يمكنك أن تتخير وسيطا مرضيا عند والدك يثق به ويستمع لنصحه، من أجل التوسط في حل الإشكال القائم، فإن رفض والدك تلك الوساطة فتكون قد أعذرت إلى ربك، ويكون الإثم على والدك.

نص الفقهاء أن البر يكون بما لا يفضي إلى ضرر واجب، وما أدى إلى ضرر غير محتمل يسقط وجوبه.

والخلاصة:
- أنت وبموجب استشارتك لست عاقا، فلا تقلق من هذه المسألة.
- بموجب كلامك وما تقوم به فأنت بار بما تستطيع.
- ما تقوم به من نفقة ورعاية عبادة عظيمة.
- إثم القطيعة والافتراء عليه، لا عليك.

وأخيرا: نص الحديث النبوي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وما دمت تسأل عن رضا الله وتخشى العقوق، فهذه علامة خير عظيمة.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يوفقك لإصلاح ذات البين ورأب الصدع، إنه سميع مجيب، ونسعد بتواصلك.

مواد ذات صلة

الاستشارات