السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة علم شرعي، مشتركة في برنامج للعلوم الشرعية، والحمد لله الذي هداني، فقد كنت من قبل غير ملتزمة، وبعيدة عن أمور الدين.
ومنذ أن بدأت في هذا البرنامج، وبدأت في فهم الكثير من الأمور الدينية، صرت أركز على كثير من العادات اليومية التي أفعلها أنا أو أسرتي، وأقوم بفرزها من منظور: هل هي حلال أم حرام؟ وما أراه أنه حرام أو أشك أنه حرام؛ أسأل بعض المشايخ عن حكمه، فإن كان حراما أو منهيا عنه ولم يكن لنا علم بذلك، أخبر عائلتي أن هذا الفعل حرام، فيقتنعون أحيانا، وأحيانا لا يقتنعون، أو يفهمون أنه حرام ولكن لا يتوقفون عن فعله، مع أنني أذكرهم بمخافة الله وعظم ذنبه، كمشاهدة الأنمي.
وبسبب هذا الأمر أصبحت أمي تقول لي: إن هذا البرنامج جعلني متشددة وقام بتخريبي، ولا يعجبها عندما أخبرها أن تتوقف عن فعل أشياء، هي تعرف أنها حرام من قبل أن أخبرها بذلك، مثل سماع الأغاني.
وهي دائما تغضب وتفتعل مشكلة، والسبب أنها تقوم بتشغيل قنوات الراديو التي تكون أغلب محتوياتها أغان ويكون الصوت عاليا، وعندما أخبرها أن هذا لا يجوز، وعلى الأقل أن تخفض الصوت وتستمع هي فقط، تتجاهل كلامي، وأحيانا إذا كانت غاضبة ترفع الصوت أكثر.
وهناك أمور كنا نفعلها فامتنعت عن فعلها عند معرفتي بأنها حرام، ولكن والدتي دائما ما تفتعل لي المشاكل إذا لم أفعلها، لأنها تقول إنها ليست حراما، رغم أنني أخبرها بأنها حرام. وأحيانا أقول لها أن تسأل عن حكم هذا الأمر لكنها لا تقتنع، وتقول إن امتناعي ليس مخافة من الحرام وإنما عصيان لها، وأنني إن فعلت ما تقول فليس علي ذنب، لأن الله أمرني بطاعتها، وحتى إن كان حراما فستتحمل هي ذنب ذلك، وتضع اللوم على نفسها لأنها تركتني أسجل في هذا البرنامج.
اليوم طلبت مني أن أفعل شيئا، ولكنني صدقا لم أسمعها عندما تحدثت، فظنت أنني تجاهلت كلامها، فأقسمت علي بأغلظ الأيمان أن أخرج من هذا البرنامج، وأنها ستغضب علي إلى آخر عمرها إن عدت للبرنامج أو استمعت لأي محاضرة غيره، وستقوم بكسر هاتفي، وتقول إن التدين هو صلاة وصوم وقراءة قرآن، وأن هذا البرنامج مجرد لعب بالعقول، وأن المتشددين في الدين بدؤوا هكذا حتى أصبحوا يستبيحون القتل والدمار، فما الذي علي فعله الآن؟
علما أن هناك اختبارا في هذا البرنامج بعد أسبوع، والدروس فيه يومية وستتراكم علي، ولا أزكي البرنامج ولا القائمين عليه، ولكن فيه خير كثير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ندى .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك مزيدا من التوفيق والتسديد والهداية، وأن يرزقك بر أمك، ويحببك إليها، ويحبب إليها ما أنت عليه من الطاعات.
وأول ما نوصيك به -ابنتنا الكريمة- ألا تيأسي من تغير حال أمك إلى خير مما هي عليه الآن، فإن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ونحن نرى -ابنتنا الكريمة- أن أمك لا يزال فيها خير كثير، ودليل ذلك أنها تستجيب لك في بعض التنبيهات، وتجتنب بعض المحرمات بسبب نصحك، فهذا دليل صريح واضح على أن فيها خيرا، ولكن ربما يثقل على بعض النفوس ترك كل العادات التي اعتادتها، ثم يبرر الشخص لنفسه بأن ما يفعله ليس حراما، ونحو ذلك من التبريرات التي تجعله يستمر على ما هو عليه.
هذا كله نقوله -أيتها البنت الكريمة- حتى تعلمي أن تعاملك مع أمك سيؤتي ثمارا حسنة -إن شاء الله- إذا أحسنت هذا التعامل، وتعاملت معها بحكمة وبمقتضى التوجيهات الشرعية.
وأول ما ينبغي أن تعلميه في التعامل مع أمك: أن أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر مطلوب منك، ولكن لا يجوز لك بأي حال من الأحوال أن تصلي إلى درجة أن تغضبيها، والعلماء يقولون: إن الولد ينصح والديه ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر بشرط ألا يغضبوا، فإذا غضبوا وجب عليه أن يسكت؛ لأن إغضاب الوالد عقوق، والعقوق من كبائر الذنوب، فلا يصح أبدا أن يرتكب الإنسان وسيلة محرمة ليصل إلى ما يظنه طاعة أو قربة أو مصلحة، بل ينبغي أن يضع كل شيء في موضعه الشرعي، وكل فعل في مرتبته التي وضعه الشرع فيها.
لهذا نحن ننصحك بمزيد من الرفق وإحسان المعاملة مع والدتك، وأن تكوني رحمة مهداة إلى أسرتك، فإن الإنسان المتدين يحمل هذه الرحمة العظيمة التي أنزلها الله تعالى لعباده، وهي الدين الحق، والدين لم ينزله الله تعالى للمشقة، وإنما أنزله ليكون سببا للسعادة واليسر، كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ [طه: 1-2].
والإنسان المتدين -ولا سيما في بداية عمره وفي بداية طلبه للعلم الشرعي- قد يأخذه الحماس فيحب أن يستقيم الناس على دين الله تعالى، فيشتد عليهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن لا ينبغي له أن يستسلم لهواه ورغبته، بل ينبغي له أن يضبط تصرفاته بالضوابط الشرعية، وبذلك سيكون -بإذن الله تعالى- رحمة لمن حوله، وينبغي له أن يتخير أحسن الأساليب وأرفقها حينما ينصح، فالله تعالى يقول: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ [النحل: 125].
وهذا كله لا يعني أن يفعل الحرام من أجل أن يرضي الآخرين، أو يترك الطاعة الواجبة عليه من أجل إرضاء الآخرين، فطاعة الوالدين فرض من الله تعالى، ولكن لا يجوز للإنسان أن يطيعهما في معصية الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قال الرسول ﷺ.
والآن بخصوص هذا المنع الذي منعتك أمك به من مواصلة الدراسة لما تتعلمينه من الخير، لا يلزمك أبدا الطاعة، ومخالفتها ليس عقوقا؛ لأنه لا مصلحة لها في ذلك، ولكن ننصحك بأن تكوني حكيمة في كيفية الاعتذار لأمك، وأن تحاولي أن تبيني لها أنك أخطأت في طريقة الأمر والنهي، أو النصح فيما مضى لقلة علمك، وأنك كلما زدت علما فإنه سيزيد أسلوبك حسنا وهدوءا.
أكثري من الوعود لها بهذا، لعل ذلك يطيب خاطرها، فإذا لم تقتنع بذلك فحاولي أن تواصلي ما أنت فيه من الخير دون أن تشعريها بذلك وتعليمها بذلك، واستعيني على إقناعها بكل من يمكن أن يقنعها، وأنها ستؤجر معك في هذا الأجر، فالولد من كسب والديه، استعيني على ذلك بالله تعالى، وأكثري من دعائه.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.