السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب جامعي، أدرس تكنولوجيا المعلومات، وهذه السنة الثالثة هي سنة تخرجي بشهادة الليسانس -إن شاء الله-.
أشعر بالحسرة أحيانا حين أخلو بأفكاري بسبب عدم دراستي للطب، وأشعر أن شيئا ما فاتني؛ لأنه تخصص يعد واعدا، ومظنة لتحصيل المال والجاه بشكل شبه مضمون.
فكرت في إعادة الثانوية العامة ومحاولة دخوله؛ لأنني كنت -ولله الحمد- متفوقا، لكن معدلي في الثانوية لم يكن كمعدلاتي السابقة.
أشعر بالحسرة، فهل أكمل دراسة الماجستير في تخصصي وأبحث عن وظيفة فيه؟ وهل سأجد؟ أم أحاول دخول الطب؟ ولكن هل الطب يستحق كل هذه المدة من سبع إلى اثنتي عشرة سنة؟ وهل سأنجح في دخوله أصلا؟
هذه التساؤلات تعكر صفو يومي، وقد تعوقني في حياتي؛ أحاول التركيز في دراستي، لكنني أحيانا أستمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمن درسوا الطب وكيف هي الحياة كطبيب.
أعلم أن علي الآن التركيز لنيل شهادتي، لكني لا أعرف ماذا أفعل بعد نيلها! ولهذا أنا قلق، وكما قلت أشعر بأن شيئا مهما فاتني إن لم أدرس الطب وما فيه من ميزات.
كيف أحد من هذا التفكير -على الأقل- حتى لا يعوق دراستي وأستطيع بحول الله أن أحصل على الشهادة؟ وما توجيهكم لي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصعب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا.
فهمنا من رسالتك -أخي الكريم- أنك تمر بحالة من الصراع النفسي والحيرة، بين تخصصك الحالي في تكنولوجيا المعلومات، وبين حلم قديم يراودك بدراسة الطب، وما يرافق ذلك من شعور بالحسرة وتخوف من المستقبل المهني والمادي، وهذه المشكلة يمكن أن ننظر إليها من زاويتين:
الزاوية الأولى: تتعلق بالجانب النفسي والذهني، وهي المقارنة بين واقع تعيشه وخيال ترسمه، وما ينتج عن ذلك من تشتت يضعف تركيزك في سنتك الختامية.
الزاوية الثانية: تتعلق بالجانب العملي والواقعي، وهي المفاضلة بين تخصصين، لكل منهما طبيعته، ومساره الزمني، ومخرجاته في سوق العمل.
أولا: أود أن أحييك على صراحتك مع نفسك، وعلى تفوقك الدراسي الذي يجعلك تطمح للأفضل دائما؛ فهذا دليل على علو الهمة، لكن لا بد أن نذكرك بأن الحسرة على ما فات هي باب يفتحه الشيطان ليعطل الإنسان عن العمل؛ كما قال النبي ﷺ: وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان (رواه مسلم).
ثانيا: فيما يخص المقارنة بين تكنولوجيا المعلومات والطب، لفت انتباهي أنك ربطت الطب بالمال والجاه، وهنا نحتاج لوقفة تأمل؛ فالرزق والجاه بيد الله وحده، وعليه نقول: "ليس كل طبيب غنيا، وليس كل تقني فقيرا" نحن نعيش في عصر يسمى عصر البيانات والذكاء الاصطناعي، وتخصصك الحالي هو المحرك الفعلي للعالم اليوم، وفرص النجاح المادي والمهني فيه تفوق أحيانا تخصص الطب، خاصة مع قصر مدة الدراسة مقارنة بالطب الذي يحتاج نفسا طويلا، قد يصل إلى اثني عشر عاما كما ذكرت.
ثالثا: من الأمور التي ستعينك -بإذن الله- في هذه المرحلة:
- التركيز على فقه المرحلة: أنت الآن في سنة التخرج، ومهمتك الشرعية والدنيوية هي إتمام ما بدأت به بإتقان، لقوله ﷺ: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه؛ فلا تسمح للأفكار المستقبلية أن تسرق منك نجاحك الحالي.
- الطب ليس مجرد وجاهة: بل هو مسؤولية عظمى وسهر وتعب، فهل أنت مستعد نفسيا للبدء من الصفر وأنت على مشارف التخرج؟ إن التعب في تخصصك الحالي قد أوشك أن يثمر، بينما التعب في الطب سيبدأ من نقطة الصفر.
- النظر إلى تكنولوجيا المعلومات بمنظور الاستخلاف: يمكن لمهندس المعلوماتية أن يخدم دينه وأمته بشكل قد يفوق الطبيب أحيانا؛ من خلال تأمين الأنظمة، وتسهيل حياة الناس، وبناء المنصات الدعوية والطبية أيضا.
رابعا: نصيحتنا العملية لك هي: اجعل هدفك الآن هو الحصول على شهادة الليسانس بتفوق، وبعد التخرج -وليس الآن- يمكنك أن تعطي نفسك فترة استخارة واستشارة حقيقية؛ صل صلاة الاستخارة، واجلس مع أطباء ممارسين، لتعرف واقع المهنة بعيدا عن بريق وسائل التواصل الاجتماعي، واجلس مع خبراء في تكنولوجيا المعلومات، لتعرف آفاق سوق العمل، حينها ستتضح الرؤية: هل رغبتك في الطب هي رغبة حقيقية في المداواة، أم هي رغبة في المكانة الاجتماعية؟
أخي الكريم: إن اللجوء إلى الله -عز وجل- بالدعاء، والتوكل عليه ومناجاته أمر لا بد منه، واعلم أن الله يختار للعبد ما فيه صلاحه وإن لم يدرك العبد ذلك في حينه، قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة:216).
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.