خريج منذ سنتين وأعيش في عالم البطالة!

0 613

السؤال

السلام عليكم، أنا شاب عمري 25 سنة خريج من الجامعة منذ سنتين، وأنا الآن في عالم البطالة، لقد تغيرت حياتي كثيرا في هاتين السنتين الأخيرتين، فلم أعد أقدر قيمة هذه الحياة، خاصة بعد وفاة والدي ووفاة أختي إثر مرض، أحس أن كل ما حولي تغير، قل نشاطي في الرياضة، مع الناس، في رؤيتي للمستقبل بعد أن وضعت أهدافا ولم أصل إليها بعد، نظرا للواقع الذي اصطدمت به بعد خروجي من الجامعة، وهو عالم البطالة حتى وإن وجدت أي شغل فالواقع المعيشي صعب، فهو قد لا يكفيك لأن تبني مستقبلك كما كنت تتمنى، فأنا أخاف على نفسي من الانحراف، أرجو منكم أن ترسموا لي نقطة البداية لعيش حياة سعيدة وأكون كما كنت في الماضي، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بك في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لاتخاذ القرارات المناسبة الصائبة، وأن يرزقك الرضا بما قسمه له وقضاه لك، وأن يعينك على تحقيق طموحاتك التي وضعتها، وعلى تحقيق أهدافك التي خططت لها، وأن يرزقك الرضى بما قسم، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل - عن هذه المرحلة الأولى التي عشتها في عالم الدراسة حتى تخرجت من الجامعة، فهي تعرف غالبا بمرحلة الأحلام الوردية، حيث إن الإنسان منا يضع لنفسه أهدافا كبيرة ويخطط لحياة من خياله يتصور أنه من الممكن أن تطبق وتحقق بسهولة، حيث إنه قد يكون في جامعة عريقة، وأن خريجي هذه الجامعة عادة ما يوظفون أو يحتلون مناصب راقية، إلا أنه يفاجأ بأن الأمر ليس كذلك عندما يخرج إلى واقع الحياة.

أقول: إن هذه الحياة النفسية التي تمر بها الآن هي حالة السواد الأعظم من الشباب المسلم خاصة العربي في كل بلاد العالم العربي والإسلامي، حيث إننا كما ذكرت لك في مرحلة الدراسة يحدونا الأمل إلى أن نكون شيئا وأن نحقق شيئا، ولذلك نضع أمامنا أهدافا عظيمة نسعى لتحقيقها، فما أن نتخرج من الجامعة حتى نجد أن الواقع يختلف تماما عما خططنا له، وأن صرخة الواقع المؤلم تتكسر عليها كل هذه الأهداف، ولكن أقول لك – بارك الله فيك - : إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقوله: (إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: (سددوا وقاربوا)، وقال أيضا: (إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى)، إلى غير ذلك من النصوص التي تبين لنا جميعا أن الإنسان المسلم لا يعرف اليأس مطلقا، وأنه حتى وإن ضاقت عليه الظروف في مرحلة من المراحل، إلا أن الله تبارك وتعالى بفضل دعائه والإخلاص له في العبادة والطاعة والأخذ بالأسباب قادر على أن يحول هذه الحالة البائسة إلى حياة سعيدة لم تكن تخطر له ببال، والدليل على ذلك وخير مثال: حياة النبي عليه الصلاة والسلام في أول الدعوة، وحياة أصحابه - رضي الله تعالى عنهم – معه، فأنت ترى أن النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته رضي الله وعنهم عاشوا في مكة عيشة شديدة وقاسية، ولكن ما أن انتقلوا إلى المدينة حتى فتح الله تبارك وتعالى لهم ومكن لهم، وأصبح هؤلاء الفقراء العزل يعيشون أمنا وأمانا واستقرارا، ولحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وخرج أصحابه إلى العالم، فغيروا وجه التاريخ في قرابة خمسة وعشرين عاما، وأصبحوا أمراء العالم، وأصبحوا قادة العالم وقادة الجيوش، وأصبحوا كبار عظماء الدنيا، رغم أنهم كانوا في أول أيام حياتهم لا يملكون شيئا من ذلك كله، بل إن بعض المنافقين كان يتندر في كلام النبي عليه الصلاة والسلام يقول: محمد يعدنا أن نملك قصور كسرى وقيصر وأحدنا يخشى على نفسه أن يذهب لقضاء حاجته، أو لا يأمن على نفسه في قضاء حاجته.

كانوا يشككون، ولكن كما ذكرت لك دارت عجلة التاريخ وخرج هؤلاء الأبطال إلى العالم وأصبحوا آية من آيات الله تعالى، حتى إن عبد الرحمن بن عوف الذي خرج من مكة ولا يملك شيئا لأنه ترك وراءه ماله كله، أصبحت له عشرات البيوت مليئة بالذهب، والزبير بن العوام – رضي الله تعالى عنه وأرضاه – أحد هؤلاء العظام أيضا الذي خرج من مكة لا يملك شيئا، وأصبح في بيته أكثر من ألف خادم.

أقول لك ذلك كله أخي الحبيب – بارك الله فيك - : رغم أن هؤلاء الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم - عاشوا هذه الشدة الشديدة إلا أنه بالعزم وبالإصرار والأخذ بالأسباب وصدق التوكل على الله مكن الله تبارك وتعالى لهم وأصبحوا آية من آيات الله العظمى، وهذا ما أقوله لك - أخي الكريم الفاضل أحمد – فأنت الآن فعلا قد تعاني من فقدان المصير، ومن عدم القدرة على التركيز نتيجة الظروف الصعبة التي تمر بها، ولكن أقول لك: ابدأ المسألة جزءا جزءا، فلا يلزم أن نحقق الأهداف مرة واحدة، وإنما ابدأ واقبل بأي عمل يناسبك حتى وإن كان بدخل بسيط متواضع، وضع قدمك على أول الطريق، وثق وتأكد من أنك ستصل بإذن الله تعالى.

بعض الناس أحيانا يظل جليسا وقعيد البيت لأنه يريد مشروعا يتناسب مع إمكاناته وقدراته، حتى وإن استمر سنوات وسنوات على ذلك، ولكن أقول: إن مثل هذا قد يموت ولم يحقق شيئا من أهدافه، ولكن دعنا نبدأ بالمتاح والمقدور عليه، أي عمل يعرض عليك تستطيع أن تقوم به فاستعن بالله وتوكل على الله؛ لأن خروجك للعمل الآن بإذن الله تعالى هو أول خطوة على طريق تحقيق الطموحات وتحقيق الأهداف التي خططتها لنفسك، ثم مع استمرار الحياة ومع وضع خطة أمامك وأن لا تتراخى ولا تتوانى أنا واثق من أنك سوف تنجح بإذن الله تعالى في تحقيق ما تصبو إليه بإذن الله جل وعلا.

فأنا أوصيك - أخي الكريم الفاضل – بأن لا تتوقف، وإنما ابحث عن العمل المناسب، حتى وإن كان فيه بعض المشقة؛ لأن هذه بإذن الله تعالى عما قريب سوف تزول، واعلم أن الله قدر لك رزقك، وهذا الرزق في خزائنه، وأنه سينزل في الوقت الذي حدده الله تعالى؛ لأن النبي أخبرنا - عليه الصلاة والسلام - بأنه (لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها)، والله تبارك وتعالى قال: ((وفي السماء رزقكم وما توعدون))[الذاريات:22]، فأنت لك عند الله رزق في خزانة مكتوب عليها اسمك، لا يمكن لأحد أن يأخذ شيئا من رزقك كائنا من كان، ولكن الرزق قد يحبس فترة من الزمن ثم يفتح كالشلالات والبحار لتعيش حياة ما خطر ببالك أبدا، المهم أن تكون مستقيما على منهج الله، أن تكون راضيا بقضاء الله وقدره، وأن تعلم أن الأمر كله لله، وأن لا تتسخط على أقدار الله، وأن لا تقع في معصية الله.

وأوصيك أن تكثر من الدعاء ومن الاستغفار؛ لأن الاستغفار من عوامل جلب الأرزاق، كذلك أوصيك أن تكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا واثق أنك بهذه الخطة سوف تعيش حياة سعيدة بل أسعد مما كنت تتصور في الماضي، كما كان حال أصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم الذين عاشوا الشدة والفقر والجوع والحرمان في مكة، ثم لما انتقلوا إلى المدينة فتح الله عليهم كنوز الأرض، فأصبحوا سادة الدنيا كما أشرت لك، وأصبحوا من أغنى أغنياء العالم، وهم لم يكونوا يتوقعوا شيئا من ذلك أبدا، ولكن تلك إرادة الله وحكمته.

المهم أن تكون محافظا على طاعة الله، وأن لا تتبطر على أي عمل أو ترفض أي عمل، ما دام في مقدورك أن تمارسه، حتى وإن كان بدخل بسيط، ومن خلاله بإذن الله تعالى سوف تحسن مستقبلك.

أتمنى أيضا إذا كانت هنالك فرصة لأخذ دورات متخصصة في مجالك فلا مانع أن تتزود ببعض الدورات التي ترفع من كفاءتك وترفع مستواك، سواء كانت دورات في اللغة أو دورات في الكمبيوتر أو في أي مجال من المجالات التي ترى أن السوق يحتاج إليها، كذلك أيضا أتمنى بارك الله فيك أن تقوم الآن في هذا الفراغ باستغلاله في عمل مشروع إسلامي، كأن تبدأ في حفظ القرآن الكريم، أو أن تقرأ في كتب العقيدة، خاصة فيما يتعلق بالإيمان بالله تعالى.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك لذلك، أو أن تبدأ في دراسة الفقه دراسة متأنية، أو أصول الحياة الزوجية، حتى إذا ما تزوجت تكون جاهزا وتكون لك القدرة بإذن الله تعالى على إسعاد نفسك وإسعاد من يتعامل معك، ثق وتأكد بأنها مسألة وقت، وأنه عما قريب سيأتيك الخير والفضل من الله تعالى، واعلم أن الله مع الصابرين، واعلم أن الله يحب الصابرين، واعلم أن الصبر ليس وسيلة سلبية أو هروبية، وإنما هو أعظم وسيلة إيجابية، حيث إن النبي قال صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)، وحافظ على طاعة الله، وأكثر من العبادات خاصة النوافل وخاصة قيام الليل والصلاة والتضرع إلى الله تعالى، وأبشر بفرج من الله قريب، وعليك بتقوى الله فإن الله تعالى قال: ((ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب))[الطلاق:2-3]، وقال: ((ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا))[الطلاق:4]، وقال: ((ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا))[الطلاق:5].

هذا وبالله التوفيق.

يرجى قراءة هذه الاستشارة عن تقوية الإيمان والرضا بالقدر والسعادة بالعبادة 278495

مواد ذات صلة

الاستشارات