السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني الأفاضل القائمين على هذا الموقع، أتوجه إليكم بالشكر الوافر على ما تقدمونه من معلومات ذات فائدة عظيمة في كافة الموضوعات، فأنا — والحمد لله — دائمة الاطلاع ومتابعة موقعكم المميز، ولكن هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها إليكم، وقد كنت أكتب وأنا في غاية التردد، وأشعر بشيء من الخوف والتردد، ولكن ما دعاني لذلك هو حالتي التي حرت في أمري معها، ولا أستطيع تشخيصها.
أنا أم لطفلين، بنت وولد، وزوجي رجل فاضل وصاحب دين وخلق. أعاني منذ ما يقرب من سنة تقريبا من حالة غريبة تراودني دونما أسباب أو مقدمات، وهي: شعوري المتواصل بضيق الصدر والخوف المستمر. وكنت في البداية أعزو هذا إلى الضغوطات الكبيرة التي نعيشها، فأنا وزوجي نعاني من ضيق الحال، فبعد أن كان عمل زوجي جيدا ودخله مناسبا، تغير الحال بعدما اضطر زوجي إلى ترك عمله.
ولكن هذا الخوف ما عاد يفارقني، وأصبحت أعاني من أعراض جسدية مثل: ألم دائم في الصدر، وأشعر بالاختناق، وكأن شيئا عالقا في حلقي، وضيق في التنفس، بالإضافة إلى ألم في اليد والكتف الأيسر، وأحيانا أشعر أن الجهة اليسرى من جسدي وكأنها شلت.
كنت قد ذهبت في بداية حالتي إلى طبيب قلب، وعمل لي تخطيطا للقلب ورسما للقلب، وأخبرني أن كل شيء سليم — ولله الحمد —، وبعدها ذهبت إلى طبيب صدري، وأخبرني أن الرئتين سليمتان — ولله الحمد —.
تطورت حالتي منذ حوالي 6 أشهر، ليتحول هذا الخوف الذي لا يطاق إلى خوف شديد، بل قاتل من الموت، وبت أتوقع الموت في كل لحظة وفي كل حين.
كل موقف أو حدث أقرنه بموتي، وشعوري بالخوف على أطفالي من بعدي، وماذا سيحل بهم من يتم وفقدان للأم قد أنهك قواي؛ فدائما أتخيل كيف سيفتقدني أطفالي وزوجي، وكيف سيعانون من بعدي. فقد تعبت كثيرا، وأنتم لا تتصورون إلى أي جحيم صارت حياتي.
أنا خائفة من الموت وما سيحل بي بعده، والحمد لله أنا ملتزمة، ولكن لا يخلو الأمر من التقصير، فنحن بشر.
أنا أعيش في بلاد الغربة مع زوجي، وقد اصطحبني إلى طبيب نفسي بعد محاولتي المتكررة لإقناعه، ومن كثرة ما كنت أشتكي إليه من الخوف وتوقع الموت، أعطاني الطبيب دواء اسمه (زولفت)، وتحسنت عليه قليلا، ولكن في بعض الأحيان يمر يومي وأنا فرحة، ثم يداهمني الخوف ويعكر صفو حياتي.
آسفة جدا، أعلم أني أطلت كثيرا عليكم.
وعندي أسئلة أريد إجابات عليها:
هل سأنتهي من هذه الحالة، أم أنها ستستمر إلى أن أفارق الحياة فعلا، مهما قدر الله لي عمرا في هذه الدنيا؟
العلاج: هل هو فعال؟ وما هي جرعاته المفيدة؟
ما هي الوسائل الأخرى غير العلاج التي ينبغي علي اتباعها لتساعدني على الشفاء؟
هل لما أعانيه علاقة بالمس، أو على الأقل إصابة بالعين؟
أصبحت الآن أعاني من دوامة، وترافقها أحلام مزعجة وكوابيس ليلية؛ فأنا أنام بصعوبة في الليل، وعندما أغفو بعد عناء، أحلم أحلاما مزعجة.
هل تنبئ أحلام الإنسان بشيء؟ فأحيانا أفسر أحلامي ويكون تفسيرها مخيفا، فيزيد همي.
أعمل معلمة، وأصبح الكل يشعر أنني تغيرت ومصابة باكتئاب، وأخاف أن أصارح صديقتي خوفا من أن تتهمني بالجنون.
هل يمكن أن تتطور حالتي؟ وإلى أي مدى قد تصل؟ هل قد تؤدي للصرع فعلا كما سمعت؟
وفي النهاية، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجزيكم عنا كل خير، وأن يحسن لكم الأجر والثواب، وأعتذر وبشدة على إطالتي المملة.
أفيدوني بسرعة، جزاكم الله خيرا، وشكرا لكم، وسامحوني على إزعاجكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء.
فإنه سيكون من المفيد أولا أن نخبرك بتشخيص حالتك، فأنت تعانين مما نسميه قلق المخاوف (Anxiety of Fears)، فالأعراض الجسدية عندك واضحة جدا، خاصة الأعراض التي تحدث لك من ضيقة في الصدر وشد عضلي، ويمتد هذا ويتحول إلى تنميل وألم في اليد والكتف الأيسر، وهذا نشاهده كثيرا، والسبب في ذلك أن أمراض القلب - خاصة أمراض الشريان التاجي - ربما تظهر في شكل ألم في الصدر يمتد إلى الجهة اليسرى من الكتف واليد، وبما أن القلب هو محور الحياة الظاهري، فالناس تنشغل به، وقد وجد علماء النفس أنه حدث نوع من الربط الشرطي ما بين القلق النفسي وما يماثل أعراض مرض القلب.
إذا: نحن نؤكد لك أن حالتك هذه لا علاقة لها مطلقا بأمراض القلب، فهي حالة من القلق النفسي (Psychological Anxiety)، والقلق النفسي له أعراض جسدية (Physical Symptoms) وأعراض نفسية (Psychological Symptoms)، والأعراض النفسية تتمثل في الشعور بالضيقة والقلق والمخاوف، أما الأعراض الجسدية فهي في شكل انشدادات عضلية تؤثر على أجزاء معينة في الجسم، مما يؤدي إلى نفس الصورة الإكلينيكية التي شعرت بها.
بعد ذلك تطورت الأعراض لديك قليلا، وأصبحت الجوانب الوسواسية - خاصة حول الموت وما بعد الموت - تسيطر عليك.
إذا: التشخيص النهائي لحالتك هو: قلق المخاوف ذو الطابع الوسواسي (Obsessive Anxiety of Fears)، وهذه حالة منتشرة، ولا تنزعجي من هذه المسميات؛ لأن منشأها واحد، وهذه مجرد أعراض مختلفة، ولكنها في نهاية الأمر تمثل حالة إكلينيكية تشخيصية واحدة، وهي كما ذكرنا: قلق المخاوف الوسواسي.
والذين يعانون من مثل هذه الحالة يحدث لهم أيضا عسر في المزاج، أو ما نسميه بـ الاكتئاب الثانوي البسيط (Minor Secondary Depression)، وهذا ليس مهما؛ لأنه حين يتم علاج القلق والمخاوف والوساوس، سوف يتحسن المزاج بصورة تلقائية وواضحة جدا بإذن الله تعالى.
إذا: أولى خطوات العلاج هي أن تتفهمي حالتك، وأعتقد أن هذا ضروري، وسوف يزيل عنك - إن شاء الله - 50% من عبء الأعراض التي تعانين منها.
ثانيا: ننصحك ألا تترددي على الأطباء، فهذه الحالة نفسية بحتة.
ثالثا: لا بد أن تكون لك صورة إيجابية عن نفسك وعن مقدراتك، ونسأل الله تعالى أن يفرج همومكم وكربكم، وأن يوسع عليكم في أرزاقكم.
رابعا: عليك بممارسة ما يسمى بـ تمارين الاسترخاء (Relaxation Exercises)، وهذه التمارين في أبسط صورها كالتالي:
اجلسي في غرفة هادئة بعيدا عن الضوضاء والإضاءة الساطعة.
خذي نفسا عميقا وبطيئا عن طريق الأنف.
اجعلي صدرك يمتلئ بالهواء.
ثم بعد ذلك أخرجي الهواء بكل بطء وقوة عن طريق الفم.
يجب أن يكرر هذا التمرين خمس مرات متتالية بمعدل مرة صباحا ومرة مساء لمدة أسبوعين، ثم مرة واحدة في اليوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم عند اللزوم.
أيضا من العلاجات السلوكية: ممارسة الرياضة بما يناسب المرأة المسلمة، حيث إن الرياضة تؤدي إلى الاسترخاء العضلي والراحة النفسية والجسدية، وتمتص الطاقات القلقية السالبة.
خامسا: أرجو أن تحقري فكرة القلق والخوف، وذلك يأتي من خلال النقاش والحوار مع الذات: (ما الذي يخيفني؟ ما الذي يقلقني؟ لماذا لا أكون مثل الآخرين؟...) وهكذا.
سادسا: عليك أن تدخلي أفكارا مضادة لفكرة الخوف والقلق، أي: استبدلي فكرة الخوف والقلق والوساوس بفكرة مضادة لها.
سابعا: فيما يخص الموت وما بعد الموت، فالأمر واضح جدا بالنسبة للمسلم، وهو أن يعمل لآخرته، وأن يسأل الله تعالى أن يجيره من فتنة القبر، ومن فتنة النار، ومن عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن المأثم والمغرم.
الخوف من الموت لا يقدم في العمر ولا يؤخر فيه ولو للحظة واحدة، والمرء لا بد أن يخاف من الموت، ولكن يجب ألا يكون هذا الخوف مرضيا، بل خوفا ينزل إلى الواقع الإسلامي، وهذا يجعل الإنسان أكثر طمأنينة.
ثامنا: أرجو أن تديري وقتك بصورة صحيحة، فهذا من صميم العلاج السلوكي (Behavioral Therapy)، والإنسان حين يطور مهاراته ويتواصل اجتماعيا، ويحاول أن يجتهد؛ فإن ذلك يشعره بالرضا. وأنت في مثل حالك، عليك أن تجتهدي في أمور بيتك وزوجك، فهذا سيشعرك بالرضا، وعليك بالتواصل الاجتماعي، ففيه خير كثير. وإن شاء الله، انضمامك إلى إحدى حلقات تحفيظ القرآن أو حضور الدروس، سوف يساعدك كثيرا على التخلص من هذا الخوف والقلق والوساوس.
تاسعا: بالنسبة للعلاج الدوائي، فإن زولفت (Zoloft) علاج ممتاز وفعال، والجرعة المطلوبة في حالتك هي 100 ملغ (أي حبتان في اليوم).
أنت لم توضحي جرعة البداية، ولكن عموما تبدأ الجرعة بجرعة صغيرة دائما، وبعض الأطباء يعطي حبة كاملة (50 ملغ)، والبعض يبدأ بنصف حبة (25 ملغ)، لكن عموما:
إذا كانت البداية 50 ملغ، فيجب أن ترفع بعد شهر إلى 100 ملغ يوميا (أي حبتان).
يتم الاستمرار على هذه الجرعة لمدة 6 أشهر.
ثم تخفض الجرعة إلى حبة واحدة (50 ملغ) لمدة 6 أشهر أخرى.
ثم إلى 50 ملغ يوما بعد يوم لمدة شهر.
ثم يمكن التوقف عن تناول الدواء.
إذا: الدواء مفيد، وقد أوضحنا لك الجرعة الصحيحة، ونسأل الله تعالى أن يجعل فيه لك خيرا كثيرا.
بالنسبة للوسائل العلاجية الأخرى، فقد أوضحناها لك. أما فيما يخص المس والعين والسحر، فهذه أمور حق، ولكن حالتك حالة طبية، ولا شك في ذلك، وعليك فقط أن تحصني نفسك، وأن ترقي نفسك، وهذا هو المطلوب وليس أكثر من ذلك.
أما الأحلام والكوابيس، فهي مرتبطة بالقلق، ودائما عليك أن تسألي الله تعالى خير الأحلام، وتستعيذي به من شرها، ولا شك أن (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان)، والعلاج: (إذا حلم أحدكم حلما يكرهه، فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لا تضره).
احرصي أيضا على ممارسة الرياضة، وتناول وجبة عشاء خفيفة ومبكرة، وأكثري من أذكار النوم، فهذا يكفي تماما. وأرجو ألا تدخلي نفسك في مسلسل تفسير الأحلام وما يتعلق به، فهذا كله من آثار القلق، وليس أكثر من ذلك.
أيتها الفاضلة الكريمة، هذا هو الذي أود أن أوضحه لك. وبما أنك تعملين كمعلمة، أرجو أن تشعري بقيمة هذه الوظيفة، فأنت تقدمين للأجيال الكثير، وعليك أن تطوري نفسك، وإن شاء الله تعالى، بتناول الدواء بالجرعة الصحيحة، سوف يزول القلق والتوتر، وأي نوع من الاكتئاب إن وجد.
لا أعتقد أن حالتك ستسوء، بل على العكس تماما: حالتك - بإذن الله - ستتحسن، وسوف تعيشين حياة طبيعية. ولا علاقة أبدا لحالتك بالصرع، ولا بالأمراض العقلية أو الذهانية، إنما هي من الظواهر النفسية البسيطة جدا.
ختاما: أسأل الله لك العافية والشفاء، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب، والثقة في هذا الموقع، وبالله التوفيق.