الخوف الجبلي لا ينقص من قدر الأنبياء الكرام عليهم السلام

0 420

السؤال

ما القول في من يدعي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فر أو هرب من مكة إلى المدينة وأنه عليه الصلاة والسلام اختبأ في غار ثور خوفا منهم، وأن موسى عليه السلام فر كذلك من بطش فرعون خوفا منه وإني قلت له إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يفر من مكة إلى المدينة إنما هاجر ولقد كانت الهجرة أمرا من الله. قلت له إن الآية الكريمة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم وجد في الغار ولم يختبئ فيه وكانت معجزة وأن موسى عليه السلام لم يفر إنما كان أمر الله فالمعجزة فما انتفع بهذا الكلام. أفيدونا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فكون هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بأمر الله وإذنه، لا إشكال فيه ولا خلاف، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة، ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة...

وفيهما أيضا ـ كما في حديث الهجرة ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه: إني قد أذن لي بالخروج.

وهذا لا يتعارض مع كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج منها مختارا، بل أخرج منها أو اضطره المشركون للخروج منها، وقد قال صلى الله عليه وسلم حينها: والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.

 وقد وصف الله تعالى فعل المشركين هذا فقال: وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. {الأنفال: 30}.

وليس في هذا عيب ولا غض من مقام النبوة، وكذلك ليس في نسبة الخوف الجبلي لهم حط لقدرهم ولا غمص لحقهم ورفعة مكانهم، فهذا ابتلاء كتبه الله على بني آدم، كما قال تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. {البقرة: 155}.

ولا يخفى أن الأنبياء هم أشد الناس بلاء، فلهم من ذلك أكبر نصيب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال. رواه الترمذي وصححه وابن ماجه وأحمد. وصححه الألباني.

 وقد علق الترمذي على هذا الحديث فقال: معنى هذا الحديث حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم هاربا من مكة ومعه بلال إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه. اهـ.

وحتى الآية التي أشار إليها السائل الكريم، وهي قوله تعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار. {التوبة : 40} فيها دلالة لهذا المعنى، فإنه من المعروف أن كفار مكة قد اجتهدوا للحيلولة بين النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته، بل كانوا يطلبونه صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، ومع ذلك نسبت الآية الكريمة إخراج النبي صلى الله عليه وسلم لهم في قوله تعالى: (إذ أخرجه الذين كفروا).

 قال ابن العربي في (أحكام القرآن): في هذه الآية دليل على جواز الفرار من خوف العدو. اهـ.

وأصرح من هذا في جواب سؤالنا ما قاله القرطبي في تفسير هذه الآية، وهو قوله: فيه دليل على جواز الفرار بالدين خوفا من العدو، والاستخفاء في الغيران وغيرها، وألا يلقي الإنسان بيده إلى العدو توكلا على الله واستسلاما له.

 ولو شاء ربكم لعصمه مع كونه معهم ولكنها سنة الله في الأنبياء وغيرهم، ولن تجد لسنة الله تبديلا.

 وهذا أدل دليل على فساد من منع ذلك وقال: من خاف مع الله سواه كان ذلك نقصا في توكله، ولم يؤمن بالقدر. اهـ.

وكذلك الحال بالنسبة لنبي الله موسى عليه السلام، قد حصل له خوف من فرعون وملئه، كما قال عن نفسه: قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون. {القصص: 33}. وقال: ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون. [الشعراء: 14]. وقال لفرعون: ففررت منكم لما خفتكم. {الشعراء: 21}.

ثم ليعلم أن وجود هذا النوع من الخوف الجبلي يدل على كمال إيمانهم وصدق توكلهم؛ لأنه لم يمنعهم من امتثال أمر الله تعالى وبلاغ دعوته.

وهذا شأن كافة المؤمنين من أتباع الرسل، كما قال تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا. {النور: 55}.

وقال سبحانه: فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين. {يونس: 83}.

وقد سبق لنا بيان أنواع الخوف وحكم كل نوع، في الفتويين: 38060، 96753.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة