صلاة التراويح مع الإمام حتى ينصرف

0 734

السؤال

أرجو أن تتحملوا سؤالي هذا الذي حيرني منذ سنتين، ولم يجبني عليه أحد إجابة شافية وافية، فاعذروني على إطالته، وبعد. فسؤالي حول موضوع الصلاة مع الإمام حتى ينصرف فحديث النبي صلى الله عليه وسلم: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف هو، كتب له قيام ليلة. هل هذا الحديث خاص بصلاة العشاء فقط أم للتراويح؟ وهل يعني أن من قام مع إمامه لا يصلي قيام ليل لأنه أخذ أجره.
وأيضا ففي المسجد الذي نصلي فيه الذي يؤم بالمصلين أصدقائي بإذن الإمام الراتب الذي يسمح لهم بالإمامة بالمصلين في التراويح لأن أصواتهم أجمل ومتقنين أكثر، والذي يحدث أن أصدقائي يصلون في المصلين ثمان ركعات، وبعدها ينصرفون، ويتقدم الإمام الراتب ويصلي بالناس الوتر ثلاث ركعات، وبعد انتهائه يعود أصدقائي ويكملون بالمصلين الذين يريدون البقاء واحدا وعشرين ركعة. فماذا نفعل نحن حتى نأخذ أجر الصلاة مع الإمام حتى ينصرف هل نصلي الوتر مع الإمام الراتب؟ أم نشفع مع الإمام الراتب ثم نصلي مع أصدقائنا ونوتر معهم؟ ماذا نفعل. وهذا يحدث في كثير من المساجد في المملكة الأردنية ، وأخيرا أصدقائي يقومون بعد الانتهاء من الثمان ركعات بالانفصال عن الإمام وعدم الصلاة معه، فهل فعلهم صحيح أم عليهم عدم مفارقة الإمام أيضا حتى يأخذوا أجر القيام؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحديث المذكور صحيح، وقد صححه الترمذي وغيره، حتى ينتهي من القيام في قيام رمضان وليس خاصا بالعشاء، ويدل لذلك سبب الحديث، فعن جبير بن نفير عن أبي ذر رضي الله عنه قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقى سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة. قال فقال إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة . قال فلما كانت الرابعة لم يقم فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قال قلت ما الفلاح قال السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر. أخرجه أبو داود وغيره.

قال في تحفة الأحوذي: وقيل لأحمد بن حنبل يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده قال يصلي مع الناس، قال ويعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه، قال النبي إن الرجل إذا قام مع الامام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته. قال أحمد رحمه الله يقوم مع الناس حتى يوتر معهم ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام قال أبو داود: شهدته يعني أحمد رحمه الله شهر رمضان يوتر مع إمامه إلا ليلة لم أحضرها. انتهى

وبه تعلم أن ما يفعله أصدقاؤك من ترك الإيتار مع الإمام يفوت عليهم هذا الفضل المذكور في الحديث، والأفضل لهم إن كانوا يريدون الصلاة بعد صلاة الإمام أن يشفعوا وتر الإمام، ثم يصلون بعد ما شاءوا ويوترون في آخر صلاتهم ليجمعوا بين الفضيلتين فضيلة الصلاة مع الإمام حتى ينصرف وفضيلة جعل آخر صلاة الليل وترا.

قال في كشاف القناع: (فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده ) استحبابا لقوله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا متفق عليه  ( وإلا ) أي وإن لم يكن له تهجد ( صلاها ) أي الوتر مع الإمام لينال فضيلة الجماعة ( فإن أحب ) من له تهجد ( متابعة الإمام ) في وتره ( قام إذا سلم الإمام فشفعها ) أي ركعة الوتر ( بأخرى ) ثم إذا تهجد أوتر فينال فضيلة متابعة الإمام حتى ينصرف وفضيلة جعل وتره آخر صلاته. انتهى.

 وبهذا يتبين جواب سؤالك عن الصلاة بعد انصراف الإمام، ونزيد الأمر إيضاحا بذكر كلام الشيخ العثيمين في المسألة .

قال رحمه الله: قوله: ويوتر المتهجد بعده . بعده أي: بعد تهجده، أي: إذا كان الإنسان يحب أن يتهجد بعد التراويح في آخر الليل، فلا يوتر مع الإمام؛ لأنه لو أوتر مع الإمام خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا  ، وعلى هذا يوتر بعد تهجده، فإذا قام الإمام ليوتر ينصرف هو، ولا يوتر معه، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله. وقال بعض العلماء : بل يوتر مع الإمام ولا يتهجد بعده؛ لأن الصحابة لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفلهم بقية ليلتهم قال: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة  وفي هذا إشارة إلى أن الأولى الاقتصار على الصلاة مع الإمام؛ لأنه لم يرشدهم إلى أن يدعوا الوتر مع الإمام، ويصلوا بعده في آخر الليل؛ وذلك لأنه يحصل له قيام الليل كأنه قامه فعلا، فيكتب له أجر العمل مع راحته، وهذه نعمة.

قوله: فإن تبع إمامه شفعه بركعة يعني: إذا تابع المتهجد إمامه فصلى معه الوتر أتمه شفعا، فأضاف إليه ركعة، وهذا هو الطريق الآخر للمتهجد؛ فيتابع إمامه في الوتر، ويشفعه بركعة؛ لتكون آخر صلاته بالليل وترا. فإذا يتابع الإمام، فإذا سلم الإمام من الوتر قام فأتى بركعة وسلم، فيكون صلى ركعتين، أي: لم يوتر، فإذا تهجد في آخر الليل أوتر بعد التهجد، فيحصل له في هذا العمل متابعة الإمام حتى ينصرف، ويحصل له أيضا أن يجعل آخر صلاته بالليل وترا، وهذا عمل طيب. فإن قال قائل: ألا يخالف هذا قوله صلى الله عليه وسلم: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة .

قلنا: لا يخالفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: من قام مع الإمام فانصرف معه كتب له قيام ليلة، بل جعل غاية القيام حتى ينصرف الإمام، ومن زاد على إمامه بعد سلامه فقد قام معه حتى انصرف. انتهى.

 ثم إن استناب الإمام الراتب من يصلي بالناس بعض الصلاة وكان هو يصلي الوتر بالناس فالمعتبر لتحصيل الأجر هو البقاء حتى ينصرف الإمام الراتب من صلاته، وإن كان للمسجد أكثر من إمام فقد رجح الشيخ العثيمين أن المعتبر انصراف كليهما فيبقى معهما جميعا حتى ينصرفا من صلاتهما لينال الأجر الموعود به في الحديث.

 قال رحمه الله:  " هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلا، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني؟ الذي يظهر الاحتمال الثاني – أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له، وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني ، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول. انتهى.

 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة