الفرق بين الحكم الشرعي والرأي الفقهي

0 448

السؤال

ما الفرق بين الحكم الشرعي والرأي الفقهي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحكم كما عرفه الأصوليون هو خطاب الشرع المتعلق بأحكام المكلفين بالاقتضاء أو التخيير، أو هو مقتضى خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا، والفرق بين الحكم الشرعي الذي حكم الله به إيجابا أو تحريما أو غير ذلك وبين الرأي الفقهي أن الرأي اجتهاد من الفقيه المجتهد في المسألة التي لا نص فيها، وقد يصيب المجتهد حكم الله وقد يخطئه، ولكنه إن أخطأ فله أجر الاجتهاد ولا إثم عليه إذا بذل الوسع، وإن أصاب فله أجران وهو متعبد لله بأن يعمل بما أداه إليه اجتهاده، وكذا للعامي أن يقلده فيه إذ الظن حاصل بأن هذا هو حكم الله تعالى لكن ليس للفقيه أن يقطع بأن رأيه هو حكم الله في هذه المسألة ما لم يكن في المسألة نص قاطع.

 وقد أوضح ابن القيم هذا المعنى فقال في إعلام الموقعين: لا يجوز للمفتي أن يشهد على الله ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه أو أوجبه أو كرهه إلا لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على إباحته أو تحريمه أو إيجابه أو كراهته ) . ( وأما ما وجده في كتابه الذي تلقاه عمن قلده دينه فليس له أن يشهد على الله ورسوله به ) , ويغر الناس بذلك , ولا علم له بحكم الله ورسوله . قال غير واحد من السلف : ليحذر أحدكم أن يقول : أحل الله كذا , أو حرم الله كذا , فيقول الله له : كذبت , لم أحل كذا , ولم أحرمه . وثبت في صحيح مسلم من حديث بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { وإذا حاصرت حصنا فسألوك أن تنزلهم على حكم الله ورسوله فلا تنزلهم على حكم الله ورسوله , فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا , ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك }. وسمعت شيخ الإسلام يقول : حضرت مجلسا فيه القضاة وغيرهم , فجرت حكومة حكم فيها أحدهم بقول زفر , فقلت له : ما هذه الحكومة ؟ فقال : هذا حكم الله , فقلت له : صار قول زفر هو حكم الله الذي حكم به وألزم به الأمة ؟  قل : هذا حكم زفر , ولا تقل هذا حكم الله , أو نحو هذا من الكلام. انتهى.

 وقال رحمه الله في أحكام أهل الذمة: وقوله: فإن سألوك على أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا. فيه حجة ظاهرة على أنه لا يطلق حكم الله على ما لا يعلم العبد أن الله حكم به يقينا من مسائل الاجتهاد كما قال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يقول أحل الله كذا أو حرم كذا فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ولم أحرمه. وإذا كان النبي قد منع الأمير أن ينزل أهل الحصن على حكم الله وقال: لعلك لا تدري أتصيبه أم لا فما الظن بالشهادة على الله والحكم عليه بأنه كذا أو ليس كذا، والحديث صريح في أن حكم الله سبحانه في الحادثة واحد معين وأن المجتهد يصيبه تارة ويخطئه تارة وقد نص الأئمة الأربعة على ذلك صريحا.

 قال أبو عمر بن عبد البر: ولا أعلم خلافا بين الحذاق من شيوخ المالكيين ثم عدهم، ثم قال كل يحكي أن مذهب مالك في اجتهاد المجتهدين والقائسين إذا اختلفوا فيما يجوز فيه التأويل من نوازل الأحكام أن الحق من ذلك عند الله واحد من أقوالهم واختلافهم إلا أن كل مجتهد إذا اجتهد كما أمر وبالغ ولم يأل وكان من أهل الصناعة ومعه آلة الاجتهاد فقد أدى ما عليه وليس عليه غير ذلك وهو مأجور على قصده الصواب وإن كان الحق من ذلك واحدا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات