نعيم وأحوال النساء المؤمنات في الجنة

1 554

السؤال

أردت أن أسأل عن تفسير للآية القرآنية الوحيدة التي تتحدث عن المرأة المسلمة في الجنة و هي: إنا أنشأناهن إنشاءا فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين.
أنا لا أفهم معنى هذه الآيات. سمعت في بعض المواقع أن عجائز الدنيا سيعيد الله إليهن شبابهن و بكارتهن و هن عاشقات لأزواجهن في سن متقاربة يقدمهن الله هدية لأصحاب اليمين. و أنا لا أعرف هل جزاء المرأة الصالحة أن تكون ملكة أم مجرد هدية و تهب نفسها لغيرها ؟ و هل يجب عليها أن تعشق زوجها ؟ سمعت في بعض المواقع أن الله سيصرف عن المرأة كل شيء إلا حبها لزوجها ، و ضع تحت ( كل شيء ) ألف خط ، هل معنى ذلك أن المرأة لن تشتهي مقابلة أهلها في الجنة و لن تشتهي تناول جبال من الآيس كريم، و لن تشتهي رؤية الله عز وجل و لن تشتهي رجلا غيره بينما هو ينتقل بين أحضان الحور العين ؟!!

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليست هذه الآية هي الوحيدة التي تتحدث عن النساء في الجنة، بل هناك عدة آيات تتحدث عن نعيمهن وجزائهن كما يجازى الرجال فقد قال الله تعالى : وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم (التوبة: 72)

وقال :إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما (الأحزاب:35)

وقال تعالى: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما (الفتح:5).

وقال تعالى: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (الحديد:12).

وقال تعالى : فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب (آل عمران:195).

ثم إن المؤمنة  في الجنة ستظفر فيها بما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وما لا يخطر لها في الدنيا على بال، كما قال تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون {السجدة: 17}. وكما قال تعالى: وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون {الزخرف: 71}. 

وأما عن معنى قول  الله عز وجل: إنا أنشأناهن إنشاء (35) فجعلناهن أبكارا (36) عربا أترابا (37). الواقعة.

 فهو أن نساء الدنيا يعيد الله نشأتهن، بعدما كن عجائز رمصا ، صرن أبكارا عربا ، أي بعد الثيوبة عدن أبكارا عربا، متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة والملاحة، وقيل إن المنشآت هن الحور العين.

فقد قال ابن عاشور في تفسيره: والإنشاء : الخلق والإيجاد فيشمل إعادة ما كان موجودا وعدم، فقد سمى الله الإعادة إنشاء في قوله تعالى : ( ثم الله ينشىء النشأة الآخرة ( العنكبوت : 20 ) فيدخل نساء المؤمنين اللائي كن في الدنيا أزواجا لمن صاروا إلى الجنة، ويشمل إيجاد نساء أنفا يخلقن في الجنة لنعيم أهلها . اهـ
 وأما اللام في قوله لأصحاب اليمين فلا يلزم منها أن تكن مهداة أو ملكا لهم، لأن اللام كما تدل على الملك تدل أيضا على الاستحقاق والاختصاص كما في شرح الكوكب المنير0

فلو قال شخص: فلانة زوجة لفلان أو فلان زوج لفلانة فلا يعني بهذا أن أحدهما مملوك للآخر.

وأما عن علاقتها بالآخرين فإنها تكون مطهرة من الأخلاق السيئة فلا تطمح نفسها ولا عينها لغير زوجها في ريبة؛ كما قال تعالى: فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان (56) فبأي آلاء ربكما تكذبان (57) كأنهن الياقوت والمرجان (58)  [الرحمن 56-58]

قال الإمام ابن القيم: والمفسرون كلهم على أن المعنى: قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم. اهـ
 

وأما عن حبها للأقارب والأهل وللقاء الله ورؤيته فإنها يقع منها ذلك وترى من شاءت من أهلها وتجتمع بهم، فقد قال الله تعالى: جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم. {الرعد:23}.

قال ابن كثير في تفسيره: أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى امتنانا من الله وإحسانا من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال الله تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم. انتهى.

وقال الله جل وعلا : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين. [الطور:21].‏

وروى البيهقي في سننه عن عمرو بن مرة قال: سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان قال: قال ابن عباس رضي الله عنه: المؤمن يلحق به ذريته ليقر الله بهم عينه، وإن كانوا دونه من العمل. انتهى. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس في قوله: ألحقنا بهم ذريتهم. قال: إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل. وسكت عنه الذهبي.
 قال الإمام ابن كثير رحمه الله في ‏تفسير: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين. قال : يخبر تعالى عن فضله وكرمه وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه، أن المؤمنين ‏إذا اتبعتهم ذرياتهم بالإيمان، يلحقهم بآبائهم في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم لتقر أعين ‏الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص ‏العمل بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذاك.

ونقل ابن القيم في حادي الأرواح عن ابن عباس حديثا موقوفا ومرفوعا قال: إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك أو عملك فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بالإلحاق بهم، ثم تلا ابن عباس: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم. اهـ
وقد ثبت بالأدلة أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة، ومن هذه الأدلة قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة {القيامة:22-23}

وقال عز وجل: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة. فالحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:  إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار؟. قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة. )  رواه مسلم

وقال الطحاوي رحمه الله: والرؤية حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب ربنا: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة. ... انتهى.
فهوني عليك الأمر واعلمي أن الله تعالى يقذف في قلوب أهل الجنة حب بعضهم لبعض، وينزع من قلوبهم الضغينة والحقد، ويحبب الأزواج إلى الزوجات، والزوجات إلى الأزواج لتكتمل سعادتهم .

وليكن اهتمامك منصبا على الأعمال المفضية لدخول الجنة والحصول على الدرجات الرفيعة فيها، واشغلي فكرك بتعلم الدين وتعليمه والدعوة إليه وبما يرفع درجتك في الجنة من الأعمال الصالحة .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة