المؤمن يكثر من ذكر الموت ليكون حاملا له على الاجتهاد في الطاعة

0 230

السؤال

أنا أمر بظروف صعبة من نصف رمضان، ولا أعرف ما ذا أفعل، والحمد الله أصلي كل الفروض لكن أمر بظرف حساس في أي وقت يمكن أن أموت. لو نمت أكون خايفا أن أموت. أرجو الرد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فنسأل الله أن يفرج كربك ويزيل همك، والذي ننصحك به أن تعلق قلبك بربك تعالى وأن تثق بتدبيره واختياره لك، وأن تتوكل عليه في جميع شأنك، قال تعالى:أليس الله بكاف عبده {الزمر:36}. فبقدر تحقيقك العبودية وإقبالك على ربك واشتغالك بطاعته تكون كفايته لك ووقايته إياك من الشر، قال تعالى:ومن يتق الله يجعل له مخرجا {2}ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه  {الطلاق:3}. وأكثر من فعل النوافل والزم الدعاء فإنه من أعظم الأبواب التي يستجلب بها فضل الله تعالى. والتمس السعادة والراحة في طاعة الله تعالى والأنس به فإنه تعالى يقول: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة  {النحل:97}. وأما الموت فإنه قدر محتوم لا مفر منه، فاجعل خوفك من الموت خوفا من أن يأتيك الموت بما تكره، فاستعد له واستفرغ جهدك في طاعة ربك حتى إذا أتاك الموت قدمت على الله بخير ما بحضرتك. فالمؤمن يكثر من ذكر الموت ليكون ذلك حاملا له على الاجتهاد في الطاعة، وعلى الضد من ذلك من يخاف الموت لأنه يقطعه عن ملذاته ويحول بينه وبين متع الدنيا الزائلة.

يقول ابن القيم رحمه الله: والعجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة عليه، وكل نفس من أنفاسه لا قيمة له إذا ذهب لم يرجع إليه، فمطايا الليل والنهار تسرع به ولا يتفكر إلى أين يحمل، ويسار به أعظم من سير البريد ولا يدري إلى أي الدارين ينقل، فإذا نزل به الموت اشتد قلقه لخراب ذاته وذهاب لذاته، لا لما سبق من جناياته، وسلف من تفريطه حيث لم يقدم لحياته. انتهى.

واعلم عافاك الله أن لكل أجل كتابا وأن ما قدره الله كائن لا محالة، فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ففيم الجزع والخوف مما لا يفيد الخوف في دفعه؟ فاطمئن إلى حكم الله الكوني القدري واعلم أنه لا يقضي إلا ما هو الخير والحكمة والرحمة والمصلحة، واسأله أن يحييك ما دامت الحياة خيرا لك ويتوفاك إذا كانت الوفاة خيرا لك.

يقول ابن القيم رحمه الله مبينا أثر الطمأنينة إلى حكم الله الكوني: وإذا اطمأن إلى حكمه الكوني: علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، وأنه ما يشاء كان وما لم يشأ لم يكن. فلا وجه للجزع والقلق إلا ضعف اليقين والإيمان. فإن المحذور والمخوف: إن لم يقدر فلا سبيل إلى وقوعه، وإن قدر فلا سبيل إلى صرفه بعد أن أبرم تقديره. فلا جزع حينئذ لا مما قدر ولا مما لم يقدر. نعم إن كان له في هذه النازلة حيلة. فلا ينبغي أن يضجر عنها، وإن لم يكن فيها حيلة، فلا ينبغي أن يضجر منها. فهذه طمأنينة الضجر إلى الحكم. وفي مثل هذا قال القائل:

ما قد قضى يا نفس فاصطبري له ... ولك الأمان من الذي لم يقدر

وتحققي أن المقدر كائن ... يجري عليك حذرت أم لم تحذري. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات