الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ضعف النفس أمام المُحَرَّمات يدل على وجود خلل في الصلاة؟

السؤال

هل عدم ترك الإباحية رغم المحاولات الكثيرة يعد توبة كاذبة؟ وهل الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء فيها خلل؟
أنا في ظلمة لا يعلمها إلا ربي. أفيدونا جزاكم الله خيرا.
نفسي ضعيفة للغاية تتبع هذه الشهوة، ولم أستطع فطمها عنها منذ أكثر من 45 يوما. منذ 3 سنوات وأنا أحاول. فمنذ السنة الأولى الإعدادية وأنا في هذه المعصية.
لي صديق قد تاب في ظرف سنة أو أقل، فهذا جعلني أشك في نفسي: كيف يتوب هو هكذا ببساطة، وأنا لا أتوب، مع أنه يفعل معاصي أخرى، وأنا ممتنع عنها؟
لم أعد أفهم ما هي المشكلة التي في حياتي تجعلني لا أقلع.
أود طرح مشاكل أخرى قد تكون السبب وهي: معاناتي مع مرض القولون الذي يؤثر على المزاج، ويجعلني أتأخر بالحمام -أعزكم الله-. مريض بالرهاب الاجتماعي والخوف الشديد من الناس، والأرق، والكسل. وَزْني لا يتجاوز ال 50، وأنا بسن 22 سنة، وطولي 1.75 وهذا غير منطقي. كل شيء يؤدي بي إلى أمراض نفسية. وغير هذا الكثير، أكتفي بهذا.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يهديك، ويتوب عليك، وأن يصرف عنك السوء والفحشاء.

والواجب عليك ألا تمل من التوبة كلما وقعت في الذنب، والعودة إلى المعصية لا تبطل التوبة الأولى، ولا تدل على عدم صدقها.

فإذا تاب العبد من ذنبه توبة نصوحا مستجمعة لشروطها من الندم، والإقلاع، والعزم على عدم العودة؛ قبل الله توبته، ومحا عنه أثر ذلك الذنب.

ثم إذا عاد، فارتكب نفس الذنب مرة أخرى؛ لم يؤاخذ بما تاب منه من الذنوب، وكان كمن ارتكب هذا الذنب لأول مرة، فلا تبطل توبته السابقة بعودته إلى الذنب، ويجب عليه أن يبادر بالتوبة من هذا الذنب الذي عاد إليه.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: ومن أحكام التوبة: أنه هل يشترط في صحتها أن لا يعود إلى الذنب أبدا أم ليس ذلك بشرط؟

فشرط بعض الناس عدم معاودة الذنب، وقال: متى عاد إليه تبينا أن التوبة كانت باطلة غير صحيحة. والأكثرون على أن ذلك ليس بشرط، وإنما صحة التوبة تتوقف على الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم الجازم على ترك معاودته..

فإذا عاوده مع عزمه حال التوبة على أن لا يعاوده، صار كمن ابتدأ المعصية، ولم تبطل توبته المتقدمة. اهـ.

وأما قولك: (وهل الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء فيها خلل؟)

فإقامة الصلاة من الأسباب الواقية من الوقوع في المعاصي، كما قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت: 45}​​​.

فمواقعة المنكرات دليل على وجود خلل في القيام بحقوق الصلاة، والتقصير في أدائها على الوجه المأمور به شرعا.

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: بل "الصلاة نفسها" إذا فعلها كما أمر فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما روي عن ابن مسعود وابن عباس: إن في الصلاة منتهى ومزدجرا عن معاصي الله، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بُعدا.

وقوله: "لم يزدد إلا بُعدا" إذا كان ما ترك من الواجب منها أعظم مما فعله؛ أبعده ترك الواجب الأكثر من الله أكثر مما قربه فعل الواجب الأقل.

وهذا كما في "الصحيح" عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق. يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقر أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا.

وقد قال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا}.

وفي السنن عن عمار {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها إلا ثلثها. . حتى قال: إلا عشرها}.

وعن ابن عباس قال: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها.

وهذا وإن لم يؤمر بإعادة الصلاة عند أكثر العلماء، لكن يؤمر بأن يأتي من التطوعات بما يجبر نقص فرضه.

ومعلوم أن من حافظ على الصلوات بخشوعها الباطن، وأعمالها الظاهرة، وكان يخشى الله الخشية التي أمره بها؛ فإنه يأتي بالواجبات ولا يأتي كبيرة. اهـ.

وانظر للفائدة الفتوى: 162863.

وراجع نصائح للإقلاع عن إدمان مشاهدة الصور الإباحية في الفتوى: 66439.

ويمكنك التواصل مع قسم الاستشارت بموقعنا بخصوص المشاكل الصحية التي ذكرتها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني