قبول التوبة النصوح، والمطلب الأهم: اتهام التوبة

0 272

السؤال

هل يجب التيقن بعد التوبة النصوح بأن الله غفر ومحى الذنب؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فإذا كانت التوبة نصوحا مستوفية لشروطها، فإن الله يقبلها قطعا، ويمحو بها عن العبد أثر الذنب، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وظاهر النصوص يدل على أن من تاب إلى الله توبة نصوحا، واجتمعت شروط التوبة في حقه، فإنه يقطع بقبول الله توبته، كما يقطع بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلاما صحيحا، وهذا قول الجمهور، وكلام ابن عبد البر يدل على أنه إجماع. ومن الناس من قال: لا يقطع بقبول التوبة، بل يرجى، وصاحبها تحت المشيئة وإن تاب.... والصحيح قول الأكثرين. انتهى.

ولكن الشأن كل الشأن في تحقيق التوبة النصوح والإتيان بها على وجهها مستوفية شروطها وأركانها خالية من موانع قبولها، فهذا هو الذي ينبغي أن يقلق العبد ويجعله خائفا وجلا أن يحبط عمله وترد توبته، فيخشى أن يكون قصر فيها ولم يوفها حقها، ولهذا كان اتهام التوبة والخوف من عدم قبولها من علامات التوبة النصوح، فالتائب الصادق لا يزال خائفا وجلا، يخشى أن تكون في توبته علة لم يفطن إليها ويعلم أنه لن يؤتى إلا من قبل نفسه، وهذا كلام نفيس في اتهام التوبة وأنه من علامات قبولها نسوقه من شرح منازل السائرين للعلامة المحقق ابن القيم ـ رحمه الله ـ قال رحمه الله ما لفظه: وأما اتهام التوبة فلأنها حق عليه، لا يتيقن أنه أدى هذا الحق على الوجه المطلوب منه، الذي ينبغي له أن يؤديه عليه، فيخاف أنه ما وفاها حقها، وأنها لم تقبل منه، وأنه لم يبذل جهده في صحتها، وأنها توبة علة وهو لا يشعر بها، كتوبة أرباب الحوائج والإفلاس والمحافظين على حاجاتهم ومنازلهم بين الناس، أو أنه تاب محافظة على حاله، فتاب للحال لا خوفا من ذي الجلال، أو أنه تاب طلبا للراحة من الكد في تحصيل الذنب، أو اتقاء ما يخافه على عرضه وماله ومنصبه، أو لضعف داعي المعصية في قلبه وخمود نار شهوته، أو لمنافاة المعصية لما يطلبه من العلم والرزق، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في كون التوبة خوفا من الله، وتعظيما له ولحرماته، وإجلالا له، وخشية من سقوط المنزلة عنده، وعن البعد والطرد عنه، والحجاب عن رؤية وجهه في الدار الآخرة، فهذه التوبة لون، وتوبة أصحاب العلل لون، ومن اتهام التوبة أيضا: ضعف العزيمة، والتفات القلب إلى الذنب الفينة بعد الفينة، وتذكر حلاوة مواقعته، فربما تنفس، وربما هاج هائجه، ومن اتهام التوبة: طمأنينته ووثوقه من نفسه بأنه قد تاب، حتى كأنه قد أعطي منشورا بالأمان، فهذا من علامات التهمة، ومن علاماتها: جمود العين، واستمرار الغفلة وأن لا يستحدث بعد التوبة أعمالا صالحة لم تكن له قبل الخطيئة، فالتوبة المقبولة الصحيحة لها علامات، منها: أن يكون بعد التوبة خيرا مما كان قبلها، ومنها: أنه لا يزال الخوف مصاحبا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه: أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون { فصلت: 30} فهناك يزول الخوف، ومنها: انخلاع قلبه، وتقطعه ندما وخوفا، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها، وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى: لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم {التوبة: 110} قال: تقطعها بالتوبة، ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه، وهذا هو تقطعه، وهذا حقيقة التوبة، لأنه يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه، وخوفا من سوء عاقبته، فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفا، تقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق، وعاين ثواب المطيعين، وعقاب العاصين، فلا بد من تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة. انتهى.

وإنما نقلناه بطوله لأهميته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات