مناقشة الزعم بأن تأجيل إجابة الدعاء إنما يكون عندما لا يستوفي العبد أسباب الإجابة

0 384

السؤال

هل يتناقض اليقين مع قول النبي عليه الصلاة والسلام إن إجابة الدعاء قد تؤخر إلى يوم القيامة؟ إذ أن تأخير الإجابة إلى يوم الحساب ليس بإجابة للدعاء، وإنما هو أجر على الصبر, وثواب يلقاه المؤمن يوم القيامة مما يثقل ميزان حسناته؛ وبالتالي فإن تصور الداعي أن إجابة دعائه ستؤخر إلى يوم القيامة قد تذهب من نفسه اليقين, وتحبط من عزيمته؛ لأنه قد يكون مضطرا للإجابة في الحياة الدنيا, وما من أحد يفرج كرب المضطر إلا الله سبحانه, وسمعت شخصا على التلفاز يتحدث أن هنالك تفسيرا خاطئا لحديث: (ما من مسلم يدعو بدعوة....إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث..) حيث قال: إن الاستجابة محققة بالتأكيد طالما أنك دعوت بالخير, واستحضرت أسباب الإجابة المطلوبة، وإن تأجيل الإجابة للقيامة, أو صرف السوء بمثل الدعوة يكون عندما لا يستوفي العبد أسباب الإجابة المطلوبة فقط, فالله تعالى قال: "ادعوني أستجب لكم" ولم يعط خيارا آخر, كما قال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون", وقال تعالى: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه"؛ مما يدل على أن الله سبحانه وتعالى أعطى وعدا بالإجابة طالما أننا نستجيب له وندعوه ونلجأ له بيقين تام, وأنه قد يؤخر الإجابة إلى الوقت المناسب في الحياة الدنيا لأسباب هو يعلمها, لكنه لا يرد يدي العبد صفرا وقد رفعهما للسماء, وإن لم تكن خيرا له أعطاه مثلها أو أحسن منها, وقال: فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا, كررها مرتين, وجعل العسر مقترنا باليسر, أي: أنه وعد بالفرج للمضطرين والمكروبين, فكيف إذا دعوه وألحوا؟! فما رأيكم بتفسير الحديث بهذه الطريقة؟ لأنني بصراحة عندما أفكر أن دعائي قد لا يستجاب في هذه الحياة, مع أنني مضطرة, وأنه سيؤجل إلى ما بعد موتي أشعر ببعض اليأس وقلة اليقين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن الوعد بإجابة الدعاء لا يتناقض مع ادخار الثواب للداعي في الآخرة؛ فقد تكون إجابة العبد لما سأل في الدنيا مباشرة شرا له وفتنة عليه.

وأما القول بأن تأجيل الإجابة للقيامة أو صرف السوء بمثل الدعوة إنما يكون عندما لا يستوفي العبد أسباب الإجابة المطلوبة فغير صحيح؛ لأن الإجابة قد تكون بإعطاء ما سأل الداعي مباشرة، أو بصرف مكروه عنه, أو ادخار الثواب لوقت يكون العبد فيه أحوج، والدليل على أن ذلك كله من الإجابة وعد الله تعالى بالإجابة في قوله تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم {غافر:60}، وقوله صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.. الحديث. رواه مسلم, وقوله صلى الله عليه وسلم: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها, أو صرف عنه من السوء مثلها, ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه الترمذي, وفي رواية لأحمد: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر. وهذه الثلاثة إنما حصلت بسبب إجابة الدعاء, وقد بينا هذا في فتوانا رقم: 116103، بعنوان: لا يلزم من استجابة الدعاء إعطاء السائل عين ما سأل.

وكما أشرنا فإن العبد لا يعلم الغيب, ولا ما هو خير له أو شر له؛ يوضح ذلك قول الله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة:216}، فإذا دعا العبد مستحضرا لهذه المعاني ازداد إيمانه وقويت عزيمته, ونشط في الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى في كل وقت, وإجابة الدعاء بهذا المعنى محققة قطعا إذا توفرت شروطها وانتفت موانعها، وشروط الاستجابة وموانعها ملخصة في قول الله تعالى: فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي {البقرة:186}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. فمن استجاب لله تعالى في أمره ونهيه، وصدق بوعده وآمن به، ولم يدع بإثم ولا قطيعة رحم، فقد تحققت له شروط الاستجابة وانتفت عنه موانعها، ولن يخلف الله تعالى وعده.

وتيقني أن الله تعالى لا يفعل بعبده المؤمن إلا خيرا، علم ذلك أو لم يعلمه، والمؤمن يوقن أن ما يقدر الله تعالى عليه خير له في عاجل أمره وآجله ؛ ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كان له بها أجر. وقال صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم, وانظري الفتاوى: 21386 11571 74194 وما أحيل عليه فيها للمزيد من الفائدة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة