الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يُعَدّ الدعاء بالالتحاق بكلية طبّ غير مختلطة مع غياب الأسباب الظاهرة اعتداء في الدعاء؟

السؤال

هل الدعاء بأن أدخل الطب في جامعة غير مختلطة من الاعتداء؟ لأن دراستي بسيطة، وليست بمستوى دخول الطب، ولأنه لا يوجد في بلدي جامعة غير مختلطة، وتحقيق الدعوة يعني أن أقبل في دولة غير دولتي بها جامعة غير مختلطة وفي كلية الطب أيضًا، وكل الأسباب لا توحي بذلك، إلا أن يهب الله لي ذلك، حتى أني عندما أدعو بذلك أقول عن نفسي: مجنونة.
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن دعاءك أن تدخلي كلية الطب في جامعة غير مختلطة، مع علمك أن الأسباب الظاهرة لا توحي بإمكان ذلك، وأن الأمر في نظرك يكاد يكون مستحيلًا، لا يُعدّ من الاعتداء في الدعاء، ما دام الأمر محتمل الحصول، ولو احتمالًا ضئيلًا، وليس مستحيلًا في ذاته، والله تعالى يُحدِث من الأمور ما يشاء.

والدعاء في حدّ ذاته سبب من أعظم الأسباب التي يتحقّق بها المطلوب.

قال ابن القيم في الداء والدواء: المقدور قدّر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدّر مجردًا عن سببه، ولكن قدّر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب، وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب، انتفى المقدور، وهذا كما قدّر الشبع والريّ بالأكل والشرب، وقدّر الولد بالوطء، وقدّر حصول الزرع بالبذر، وقدّر خروج نفس الحيوان بذبحه، وكذلك قدّر دخول الجنة بالأعمال، ودخول النار بالأعمال ... فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدّر وقوع المدعو به بالدعاء، لم يصحّ أن يقال: لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب، وجميع الحركات والأعمال، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ في حصول المطلوب. اهـ.

فلا تيأسي من رحمة الله، ولا تحتقري دعاءك، أو ترمي نفسك بالجنون، بل ادعي الله بما تتمنين مما هو غير مستحيل عادة، وممكن حدوثه بإذن الله تعالى، وأحسني الظن بربك، وكوني على ثقة -بفضل الله وكرمه-، مع التسليم لقضاء الله وقدره:

فإن تحقّق لك ما دعوتِ به؛ فهو فضل الله.

وإن لم يتحقّق؛ فاعلمي أن الله صرف عنك ما هو أعلم أنه خير لك.

وأما الاعتداء المنهيّ عنه في الدعاء، فهو سؤال الله ما هو مستحيل عادة أو عقلًا، أو سؤال ما لا يليق بجلال الله عز وجل، أو الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم، ونحو ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات، وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدًا من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبّه الله، ولا يحب سائله، وفسر الاعتداء برفع الصوت أيضًا في الدعاء. اهــ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني