الخوف المحمود مرهون باجتماع الخوف والرجاء

0 163

السؤال

أنا أشكو منذ صغري من الخوف من النار, فأخاف أن ألقى فيها, بل تأتيني حالات أشعر فيها بأن روحي سوف تقبض, ومنذ شهور عانيت من الخوف من الموت, وكنت أتمنى الموت, لكني لا أعرف ماذا جرى لي, وقد استطعت – والحمد لله - أن أتخلص من الخوف, لكني لم أعد أعيش حياتي براحة, بل أقول في نفسي: لماذا أعيش حياتي وسوف أموت, وأخاف أن أعيش حياتي وأموت على ذنب, فما الحل لمشكلتي؟
ثانيا: أصحبت الآن أعاني من الخوف من يوم القيامة, فأخاف من دنو الشمس فوق رؤوسنا, ورؤية انقلاب الأرض, وأني لا أستطيع أن ألجأ لأهلي للتخفيف, فكل منشغل بنفسه, وهذا الأمر أرعبني, وأصبحت أخاف من الصراط أيضا, وكيف سأسير عليه! وأخاف أن تمنعني ذنوبي وأسقط في النار, علما أني ارتكبت ذنبا وتبت منه, وأنا متعلقة بصلاتي, والآن وبعد التوبة من ذنبي أصبحت أكثر من الاستغفار والتسبيح والأذكار وقراءة القرآن, بل أصبحت أشك بكل شيء أنه ذنب وأني سأذهب بسببه النار.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فهنيئا لك بالتوبة من ذنبك, وأملي من الله تعالى قبول التوبة فهو القائل: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات {الشورى:25}، والقائل: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم {الأنعام:54}، والقائل: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}.

وأما تذكر الموت والخوف من المهالك في الآخرة أمر محمود, ولكن ذكر الموت والآخرة يكون باعتدال؛ بحيث لا يتجاوز به العبد حده، ويصبح مسيطرا على عقله وتفكيره في كل وقت حتى يعيقه عن أداء واجباته الأخرى, ويورثه الوسواس؛ لأن ذلك من كيد الشيطان, كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره، فإن رأى فيه داعية للبدعة وإعراضا عن كمال الانقياد للسنة أخرجه عن الاعتصام بها، وإن رأى فيه حرصا على السنة وشدة طلب لها لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها، فأمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حد الاقتصاد فيها قائلا له: إن هذا خير وطاعة, والزيادة والاجتهاد فيها أكمل, فلا تفتر مع أهل الفتور, ولا تنم مع أهل النوم، فلا يزال يحثه ويحرضه حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها فيخرج عن حدها، كما أن الأول خارج عن هذا الحد, فكذا هذا الآخر خارج عن الحد الآخر

وعليه؛ فينبغي أن يكون هذا الخوف دافعا إلى العمل الصالح, وأن يصاحبه الرجاء, وأن لا يؤدي إلى القنوط من رحمة الله تعالى، فصلاح المؤمن مرهون باجتماع الخوف والرجاء في قلبه, وقد بينا ذلك بالتفصيل في عدة فتاوى, فراجع منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8181، 97322،  13448، 17814, فنرجو أن تطلعي عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات