السؤال
هل يجوز للوالد أن يستغفر لأبنائه غير البالغين، أم هو خاص بالبالغين منهم؟ وهل المغفرة تشمل عدم المؤاخذة في الدنيا والآخرة، أم هي خاصة بالآخرة؟ وهل أجعل استغفاري لعامة المسلمين من هذه الأمة خاصة، أم يمكن أن أستغفر لجميع المؤمنين من جميع الأمم؟
هل يجوز للوالد أن يستغفر لأبنائه غير البالغين، أم هو خاص بالبالغين منهم؟ وهل المغفرة تشمل عدم المؤاخذة في الدنيا والآخرة، أم هي خاصة بالآخرة؟ وهل أجعل استغفاري لعامة المسلمين من هذه الأمة خاصة، أم يمكن أن أستغفر لجميع المؤمنين من جميع الأمم؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستغفار للأبناء، والدعاء لهم مرغب فيه، وهو من هدي أنبياء الله، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم: 35]، وقال: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم: 40].
فيدعى لهم بالهداية والحفظ، ويستغفر للكبار منهم لتغفر ذنوبهم، وللصغار الذين لم يبلغوا للحفظ من الوقوع فيها، فإنهم وإن كانوا غير مؤاخذين، كما في الحديث: عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. رواه أبو داود.
إلا أنه قد ورد الدعاء بالاستغفار للصغار. ففي سنن أبي داود: عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فقال: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا.
جاء في شرح سنن أبي داود لابن رسلان: (فقال: اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا) فيه الدعاء للصغير بالمغفرة وإن لم يكن عليه ذنب. اهـ.
وجاء في شرح مشكل الآثار للطحاوي: فتأملنا ما في هذه الأحاديث من استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم للصغار الذين لا ذنوب لهم، كاستغفاره للكبار ذوي الذنوب، إذ كان بعض الناس قد سأل عن كشف ذلك، فوجدنا له معنى صحيحًا، وهو سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ربهم أن يغفر لهم الذنوب التي يصيبونها بعد خروجهم عن الصغر إلى الكبر، فتكون مغفورة لهم مغفرة قد قدمتها، وتكون غير مكتوبة عليهم، ويكونون غير مأخوذين بها. اهـ.
أما: وهل المغفرة تشمل عدم المؤاخذة في الدنيا والآخرة، أم هي خاصة بالآخرة؟
إذا حصلت المغفرة بمشيئة الله، فنرجو أن تشمل عدم المؤاخذة في الدنيا والآخرة.
جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية: ونحن حقيقة قولنا أن التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا شرعًا ولا قدرًا. اهـ.
وقال: وإذا غفر الذنب زالت عقوبته؛ فإن المغفرة هي وقاية شر الذنب. اهـ.
وقال: لحوق عقوبة الذنب بصاحبه، إنما تنال لمن لم يتب، وقد يمحوها الاستغفار، والإحسان، والبلاء، والشفاعة، والرحمة. اهـ.
وقال: والمغفرة متضمنة لوقايتهم شر ذنوبهم. اهـ. من مجموع الفتاوى.
وفي جامع العلوم والحكم لابن رجب: المغفرة لا تحصلُ إلا مع عدم العقوبة والمؤاخذة؛ لأنَّها وقاية شرّ الذنب بالكلية. اهـ.
لكن حصول المغفرة أمر غيبي؛ فليكن هم العبد التوبة والاستغفار، والرجاء من الله أن يغفر له. فإن حصلت له المغفرة حصل له كل خير في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى. وانظر الفتوى: 372640.
أما قولك: وهل أجعل استغفاري لعامة المسلمين من هذه الأمة خاصة، أم يمكن أن أستغفر لجميع المؤمنين من جميع الأمم؟
فالاستغفار يكون للمؤمنين من هذه الأمة، وللمؤمنين من الأمم قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولمن آمن منهم بنبينا بعد بعثته صلى الله عليه وسلم.
جاء في تفسير القرطبي: قوله تعالى: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان}، فيه وجهان: أحدهما: أمروا أن يستغفروا لمن سبق هذه الأمة من مؤمني أهل الكتاب.
الثاني: أمروا أن يستغفروا للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. اهـ.
وقال البغوي: {وللمؤمنين والمؤمنات} هذا عام في كل من آمن بالله، وصدق الرسل. اهـ.
واعلم أن الاستغفار للمؤمنين فيه خير عظيم. فقد ورد الترغيب في الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، والدعاء لهم عمومًا في قول الله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19].
وفي الحديث الذي رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استغفر للمؤمنين والمؤمنات، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة. قال الهيثمي في المجمع: إسناده جيد.
والله أعلم.
بحث عن فتوىيمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني