سؤالي كالتالي: أنا شاب عمري 23 سنة، كنت ‏جالسا وحدي بالغرفة، فسمعت وسوسة، فعرفت أنها ‏وسوسة شيطان، فاستعذت بالله منه (أعوذ بالله من ‏الشيطان الرجيم) أكثر من مرة.‏
فاختفت الوسوسة، لكن بعد ما أردت أن أصلي قيام ‏الليل، شعرت أن هناك أحدا يتكلم معي، فقلت إن ‏هذه وسوسة شيطان لي إنه كلام كله(كذب) ‏ومواضيع لم تخطر على بالي. ‏
فدعوت الله عز وجل بنفس اللحظة أن يريني هذا ‏الذي يوسوس لي، وقد كنت متكئا، فجأة ‏وأنا وحدي في الغرفة شاهدت شابا أبيض البشرة ‏‏(وسيما) وافقا أمامي. ‏فكلمني كلاما لا أتذكر ماذا قلت له، فنظر إلي ‏متفاجئا من أني قد رأيته، فاختفى، وأصابت بدني ‏قشعريرة لم يسبق لي أن شعرت بها، ولم أستطع ‏التنفس ولا النهوض وكأني مقيد بالسلاسل، ‏فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم وقرأت ‏التحصينات وسحبت جسدي، وذهبت وتوضأت، وذهب كل ما شعرت به، وصليت قيام ‏الليل.‏
ما هو تفسير هذا الذي حصل لي وهل هو من ‏الشياطين؟ وما الفرق بين وسوسة الشيطان وهوى ‏النفس ????‏

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فليس عندنا ما يجزم به في هذا الأمر، ولكنه لا يبعد أن يكون تخيلات نفسية ونحو ذلك.

وأما الفرق بين هوى النفس ووسوسة الشيطان، فان الهوى هو ما تهواه النفس وتحبه، ووسوسة الشيطان هي ما يوسوس به للعبد ويزينه له؛ وقد يزين الشيطان للنفس أمرا ما فتتعلق به، فيجتمع الهوى النفسي مع النزغات الشيطانية. وعلى المسلم جهادهما معا، فإن ألد أعداء الإنسان هما الشيطان ونفسه التي بين جنبيه، قال الله تعالى في عداوة الشيطان للإنسان: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا {فاطر:6}. وقال أيضا: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. {يس:60}. وقال تعالى: ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا. {النساء:60}. وقال تعالى: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون {المائدة:91}. إلى غير ذلك من آيات كثيرة توضح عداوة الشيطان للإنسان وأنه له بالمرصاد. 

وقال عن نفس الإنسان: إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم {يوسف:53}.

وقال السعدي رحمه الله عند قوله تعالى: (إن النفس لأمارة بالسوء) قال: أي لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي الفاحشة وسائر الذنوب، فإنها مركب الشيطان ومنها يدخل على الإنسان. انتهى.
  ولقد نهانا الله نهيا شديدا عن اتباع هوى النفس، فقال سبحانه وتعالى: إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس {النجم:23}، وقال أيضا: ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله {ص:26}. وقال تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم {الجاثية:23}. وقال الله تعالى: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى {النازعات:41}.

وقال الغزالي في الإحياء: أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه، وشيطانه، ونفسه، فاحترس من الدنيا بالزهد فيها، ومن الشيطان بمخالفته، ومن النفس بترك الشهوات. 

ومن أهم العلاج الناجع في هذا الأمر هو قمع الشيطان بالاستعاذة والذكر. فقد  قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الشيطان يلتقم قلب العبد، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس .. ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر صفية ـ رضي الله عنها: أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ـ .... اهـ.

وقال ابن القيم رحمه الله: فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة. فهو يرصده، فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله تعالى وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع وكالذباب، ولهذا سمي الوسواس الخناس أي يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى خنس أي كف وانقبض، قال ابن عباس: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنس. انتهى.

والله أعلم.