الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السعي في علاج الأمراض لا ينافي التوكل والصبر

السؤال

أنا مريض مرضًا نفسيًّا، بسبب ما تم أثناء تربيتي من العنف، والقسوة، والصدمات النفسية؛ داخل البيت وخارجه، للأسف. فأصبحت خائفًا من الحياة، ومنعزلًا. ولكني أرى الناس وهم يعيشون حياتهم ويتزوجون، والله ينعم عليهم بالمال والبنين، وأنا لا أستطيع أن أسعى مثلهم للحصول على هذه النعم، ولكني أشعر بمشاعر الإنسان الطبيعي من الرغبة في الحياة الطبيعية، والزواج، والذرية الصالحة.
فهل أنا مبتلى، فأكفر عن ذنوبي بالصبر على هذه الحياة، والرضا بها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يعافيك.

والمرض النفسي ابتلاء ومصيبة، كسائر المصائب التي يؤجر المسلم على الصبر عليها، والرضا بها.

وذلك: أن كل ما يمس المرء مما يكرهه ويؤلمه، يدخل في معنى المصيبة والبلاء.

ففي مصنف ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب، قال: انقطع قِبال نعل عمر، فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أفي قبال نعلك؟ قال: «نعم، كل شيء أصاب المؤمن يكرهه، فهو مصيبة».

وقال ابن عجيبة في «البحر المديد، في تفسير القرآن المجيد»: كل ‌ما ‌يشق على النفس ويُتْعِبها، فهو بلاء. اهـ.

واعلم أن ما أصابك هو بتقدير الله -جل وعلا-، وقضائه -سبحانه-، والله -سبحانه- أرحم بالعبد من نفسه، وكل ما يقضيه الله لعبده المؤمن، فهو خير له. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له. أخرجه مسلم.

والعبد قد تكون له منزلة عظيمة عند الله لا يبلغها إلا بالمصائب التي تنزل بساحته، جاء في الحديث: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبَّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى. أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

وفي الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ما يصيب المسلم، من نَصَب، ولا وَصَب، ولا هَمٍّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غَمٍّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه. متفق عليه.

بل إن المصائب والبليات قد تكون أمارة على إرادة الله الخير بالعبد، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري: من يرد الله به خيرا يصب منه.

فنوصيك بالصبر، وأن تسعى في العلاج بمراجعة الأطباء والمختصين النفسيين، فهذا لا ينافي التوكل والصبر.

ففي الحديث عن أسامة بن شريك، قال: قالت الأعراب: يا رسول الله، ألا نتداوى؟ قال: " نعم، ‌يا ‌عباد ‌الله ‌تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، أو قال: دواء إلا داء واحدا "قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: «الهرم». أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما أنزل الله داء، إلا أنزل له شفاء. وانظر الفتوى: 433519.

ويمكنك التواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا، للإفادة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني