طاعة الوالدين لا تجب فيما يعود بالضرر على الولد

0 314

السؤال

‏أنا شخص ملتزم بالسنة الحمد لله، ‏أعيش مع والدتي المطلقة، ومع أختي. ‏ووالدتي متبرجة، وتكلم الكثير من ‏الرجال، وأحيانا تسافر هي و‏أصدقاؤها، وتبيت خارج البيت بدون ‏علمي (مع العلم أني لا أعلم إن كانت ‏تسافر مع الرجال)‏.
عمري عشرون عاما، وأعيش في ‏مصر، وأخاف فتنة النساء، فقررت ‏أن أسافر لطلب العلم خارج البلاد، و‏أنجو بديني من الفتن، وإن شاء الله ‏أتزوج. والدتي لا تحتاجني في ‏مصاريف، ولا رعاية، هي فقط ‏معارضة لأني سأسافر وأتركها، مع ‏العلم أني قلت لها سأمكث إن وافقت ‏على لبس الخمار، وعدم محادثة ‏الرجال، فرفضت (مع العلم أنها تقول ‏إنها تصلي، وأنا لا أراها )وبالنسبة ‏لأختي فهي متبرجة، ولكن تلبس ‏طرحة، ولا أستطيع أن أفعل شيئا لأن ‏أمي تقول لي ليس لك شأن بها، ولا ‏أستطيع أن أفعل شيئا معها، وهي ‏تسمع الأغاني، وتشاهدان مسلسلات تركية طوال اليوم، أي ‏بالمعنى ليس لوجودي ضرورة في ‏هذا البيت.‏
هل سفري يعتبر من العقوق ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كنت محتاجا للسفر للكسب حتى تتزوج وتحصن نفسك، ولم يكن ذلك متيسرا لك في بلدك، فلا حق لأمك في منعك من السفر. وإذا سافرت فليس هذا من العقوق المحرم، فإن طاعة الوالدين لا تجب فيما يعود بالضرر على الولد.

قال القرافي: قال أبو الوليد: إن أراد سفرا للتجارة يرجو به ما يحصل له في الإقامة، فلا يخرج إلا بإذنهما، وإن رجا أكثر من ذلك وهو في كفاف وإنما يطلب ذلك تكاثرا، فهذا لو أذنا له لنهيناه؛ لأنه غرض فاسد، وإن كان المقصود منه دفع حاجات نفسه أو أهله بحيث لو تركه تأذى بتركه، كان له مخالفتهما؛ لقوله عليه السلام: { لا ضرر ولا ضرار }.

وأما إن كنت تقدر على الكسب في بلدك، ولا تتضرر بترك السفر، فليس لك أن تسافر إذا منعتك أمك ولو كنت ترجو تحصيل العلم –غير الواجب- والبيئة الصالحة المعينة على الطاعة.

فقد جاء في فتاوى ابن الصلاح: مسألة: رجل له والد، والوالد غير مفتقر إليه في القيام بأموره من إنفاق عليه، أو مباشرة لخدمته بل لا يمكن ولده من ذلك، فأحب الولد الانقطاع إلى الله تعالى، والتفرغ لعبادته في قرية، لعلمه أن مقامه في بلده لا يسلم فيه من المآثم لمخالطة الناس إلا بمشاق، يضعف عزمه عن تجشمها، ووالده يكره مفارقته ويتألم لها، مع أن له أولادا يأنس بهم غير هذا الولد. فهل يحل له مخالفة الوالد والانتقال إلى القرية بنية طلب سلامة دينه، والتفرغ للعبادة أم لا يحل مخالفته في ذلك؟........ أجاب رضي الله عنه: لا يحل له ذلك، ومخالفة الوالد في ذلك مع تألمه بها محرمة، وعليه الطواعية له في الإقامة والحالة هذه، ثم ليجاهد نفسه في التصون مما يحرم دينه بسبب مخالطة الناس، فلا يخالط من جانب الطريق المحمودة، ولا يجالس من من شأنه الغيبة، وليكن مع الناس بين المنقبض والمنبسط. بلغنا عن الإمام الشافعي- رضي الله عنه وأرضاه- أنه قال: الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط، وليصحح نيته في مواتاه والده وطاعته؛ فإنها من أكبر أسباب السعادة في الدارين. وثبت في الحديث الصحيح أن بر الوالدين يقدم على الجهاد، فكيف لا يقدم على ما ذكر! هذا مع أن ما يرجوه في القرية يناله في البلدة بحضرة والده إن استمسك، وإنما هذا خاطر فاسد من عمل الشيطان وتسويله. وقد جاء أن أويسا القرني فوت صحبة النبي صلى الله عليه وسلم والمسير إليه من اليمن بسبب بره بأمه وحمد على ذلك. فتاوى ابن الصلاح.
وعليه، فالذي ننصحك به أن تجتهد في السعي لتحصين نفسك، والبقاء في بلدك، وبذل الجهد في استصلاح أمك وأختك، واعلم أن لأمك عليك حقا عظيما مهما كان حالها، ومن أعظم أنواع الإحسان إليها أن تأمرها بالمعروف، وتنهاها عن المنكر برفق وأدب. وتسعى في إعانتها وأختك على التوبة والاستقامة؛ وانظر الفتوى رقم: 134356، والفتوى رقم: 51926.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة