السؤال
ما حكم من كان في سنة دراسية هامة مثل الثانوية العامة مثلًا، ويعيش مع أبيه بمفرده، وأبوه شبه أعمى ومريض، ولديه أخ شبه متفرغ إلى حدٍّ ما (لكن ليس دائمًا)، ولكنه لا يسكن معهما، وأبوه يطلب منه توصيله إلى المسجد، أو إلى العمل، أو مثل هذه الأشياء، فيقول له الولد: أنا مشغول، ولديّ مذاكرة، وهكذا.. واطلب ذلك من أخي.
ووجهة نظره أنه قرأ أو سمع أنه إذا كانت طاعة الوالدين تعود على الولد بالضرر، فيجوز عدم طاعتهما، أو شيء من هذا القبيل (هل فهمه صحيح لهذه القاعدة أم لا)؟ فما حكم هذا التصرف؟ وهل هذا الفعل من العقوق؟ مع العلم أنه إن لم يخرج معه فمن الممكن أن يتأذى، أو أن تصدمه سيارة، أو يقع على الأرض. وما الحكم إذا كان أخوه غير متفرغ، أي ليس هناك من يخرج معه إلا هذا الولد؟ وما حكم قول الولد للأب: لا تخرج يا أبي للصلاة في المسجد (حينما يكون الولد مشغولًا)؛ لأنني مشغول، وليس لدي وقت لتوصيلك إلى المسجد، وهكذا؟ وما حكم عدم تنظيفه للمنزل (بسبب اشتغاله في المذاكرة، وهكذا)، مع العلم أن الوالد يتضايق من ذلك، والابن يرى أنه يضيع وقتًا مهمًّا إن فعل ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحق الوالد عظيم، وبرّه وطاعته في المعروف؛ من أوجب الواجبات وأفضل القربات، فقد أوصى الله بالإحسان إلى الوالدين، وخاصة حال ضعفهما وكبرهما، قال تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا [الإسراء: 23].
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: (وقل لهما قولا كريما): فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله، وسكناته، ونظره. انتهى.
فالواجب على الولد برّ أبيه، والإحسان إليه، وطاعته في المعروف، فإذا أمره باصطحابه إلى المسجد لصلاة الفريضة، أو إلى العمل؛ فعليه أن يطيعه، وعلى الولد أن ينظف المنزل، ولا يجوز له ترك ذلك إذا كان والده يتأذى من تركه، وخاصة إذا كان الوالد يتعرض للخطر إذا خرج وحده، فهذا عقوق.
قال الهيتمي -رحمه الله- في الزواجر عن اقتراف الكبائر: كما يعلم من ضابط العقوق الذي هو كبيرة، وهو أن يحصل منه لهما أو لأحدهما إيذاء ليس بالهين أي عرفا، ويحتمل أن العبرة بالمتأذي. انتهى.
واحتجاج الولد بكون طاعة الوالد لا تجب فيما فيه ضرر على الولد؛ احتجاج غير صحيح؛ فأي ضرر على الولد في تنظيف المنزل، أو اصطحاب الوالد إلى المسجد؟ وهل ترك المذاكرة في هذه الأوقات اليسيرة ضرر؟
والولد مطلوب منه أن ينظم أوقاته بين المذاكرة، وسائر واجباته وأعماله، ومطلوب منه الصلاة في المسجد ولو لم يأمره والده؛ فالصلاة في المسجد من سنن الهدى، ومن أعظم أسباب الاستقامة والتوفيق؛ فكيف إذا أمره الوالد باصطحابه لصلاة الجماعة في المسجد؟
وعلى الولد في مثل هذه المسائل أن يرجع إلى أهل العلم، ولا يتجرأ على مخالفة والده من غير تثبت من جواز ذلك شرعًا.
قال الهيتمي -رحمه الله- في الفتاوى الفقهية الكبرى: فليحترز الولد من مخالفة والده، فلا يقدم عليها اغترارًا بظواهر ما ذكرنا، بل عليه التحري التام في ذلك، والرجوع لمن يثق بدينهم وكمال عقلهم، فإن رأوا للوالد عذرًا صحيحًا في الأمر أو النهي، وجبت عليه طاعته، وإن لم يروا له عذرًا صحيحًا، لم يلزمه طاعته، لكنها تتأكد عليه حيث لم يترتب عليها نقص دين الولد، وعلمه، أو تعلمه.
والحاصل: أن مخالفة الوالد خطيرة جدًا، فلا يقدم عليها إلا بعد إيضاح السبب المجوز لها عند ذوي الكمال. انتهى.
واعلم أنّ خدمة الوالد، والسعي في استرضائه، والإحسان إليه؛ من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله، وأعجلها، وأرجاها ثواباً وبركة في الرزق والعمر، ومن أعظم أسباب التوفيق والسداد، ومن أيسر الطرق إلى الجنة، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
والله أعلم.