أهل الجنة في السعادة والنعيم خالدون

0 576

السؤال

في الحقيقة سؤالي أخي الكريم ينقسم إلى قسمين اثنين:
أولا أن تصور أن أهل الجنة- جعلنا الله عز وجل منهم- خالدون أبدا لأمر مخيف؛ حيث إنني أحيانا كثيرة ما يخالجني هذا التفكير وحدي فأصاب بالإحباط.
أنا طبعا أكره الموت وأنفر منه، شأن كل البشر، ولكنه هو ما يمنح الحياة قيمتها، ونكهتها مثلما لا يكون سرور إلا بعد حزن ولو قليل.
يعني أخي ألا يملون؟ هم باقون لمليون, عشرة, مليار سنة إلى ما لا نهاية طيب وماذا بعد ؟ هل يتوقف الخلق وكل شيء وانتهى الأمر؟
أقسم بالله أن هذا الشعور يعذبني، أنا طبعا أعوذ بالله من نيرانه، وأرجو أن يدخلنا جنته برحمته، ولكن هذا الأمر يزعجني ويتعبني.
القسم الثاني: نحن نعلم يقينا أن المؤمنين يرون الله تعالى في الآخرة، ولكننا نعلم كذلك أن الله لا يحده مكان ولا زمان.
فهل يرون جزء منه وهل يرونه سبحانه كما هو على شكله الحقيقي ؟
جزاكم الله عنا كل خير ونرجو الإجابة. وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الله تعالى حكم بخلود أهل الجنة فيها، ودوام حياتهم ونعيمهم فيها، فلا تستسلم لتخويف الشيطان لك، على أمر لا يسوغ العقل الخوف منه، بل ينبغي أن تصرف همتك وعقلك في الأعمال التي تقربك من الله، وتدخلك الجنة.

وما تذكره من كون الموت هو ما يمنح الحياة قيمتها ونكهتها، مثلما لا يكون سرور إلا بعد حزن.  فجوابه أن أهل الجنة يكفيهم ما سبق لهم من الأكدار والآلام في الدنيا، وذواق الموتة الأولى بها. فإذا دخلوا الجنة نسوا كل الأتعاب السابقة. ففي الحديث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم.

 وجاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.

قال النووي: معناه أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة، والمكروهة، مكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم، والراحة الخالصة من النقصان. وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد. انتهى.

وقال الله تعالى في شأن الجنة وخلود أهلها الأبدي فيها: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية* جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه {البينة:7-8}. وقال تعالى: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم {الدخان:56}. وقال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا* خالدين فيها لا يبغون عنها حولا {الكهف:107-108}.

وفي حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقال لأهل الجنة يا أهل الجنة خلود لا موت، ولأهل النار يا أهل النار خلود لا موت. رواه البخاري ومسلم.

وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا.
وقد جاء في بعض الآثار النص على أنهم لا يملون من الاستمتاع باللذات كما في حديث البزار عن أبي هريرة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم هل يمس أهل الجنة أزواجهم، فقال: نعم بذكر لا يمل، وفرج لا يحفى، وشهوة لا تنقطع.

وروى الطبري عن أبي أمامة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم يتناكح أهل الجنة؟ قال: نعم بذكر لا يمل، وشهوة لا تنقطع.. دحما دحما. وفي رواية: لكن لا مني ولا منية. وفي رواية: هل ينكح أهل الجنة؟ قال: نعم، ويأكلون ويشربون.

وأما عن موضوع رؤية الله تعالى فهي ثابتة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار؟. قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة. )
ولم نقف على نص يفصل موضوع الرؤية إلا ما جاء من نفي كمال الإحاطة والإدراك، كما قال عز وجل: لا تدركه الأبصار {الأنعام:103}. وقال: ولا يحيطون به علما {طه:110}.
وقال الشيخ ابن عثيمين: رؤيتنا لله عز وجل لا تقتضي الإحاطة به؛ لأن الله تعالى يقول: ولا يحيطون به علما. فإذا كنا لا يمكن أن نحيط بالله علما، والإحاطة العلمية أوسع وأشمل من الإحاطة البصرية، دل ذلك على أنه لا يمكن أن نحيط به إحاطة بصرية، ويدل لذلك قوله تعالى: لا تدركه الأبصار. وهو يدرك الأبصار، فالأبصار ـ وإن رأته ـ لا يمكن أن تدركه، فالله عز وجل أعظم من أن يحاط به، وهذا الذي ذهب إليه السلف. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة