الجمع بين حديث: أيُّما مُسلِمٍ شَهِدَ لَهُ أربعةٌ بخيرٍ وحديث الذين تسعر بهم النار

0 238

السؤال

هل هناك تعارض - ليس تعارضا، وإنما إشكال عندي - بين حديث عمر: ((فمرت به جنازة، فأثني على صاحبها خيرا. فقال: وجبت، وجبت. ثم مر بأخرى، فأثني عليها شرا. فقال عمر: وجبت. فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما مسلم شهد له أربعة بخير، أدخله الله الجنة، قال: فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة. قال: فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد. وحديث أبي هريرة: ((إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى، يا رب. قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد قيل ذلك. ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى، يا رب. قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله له: كذبت. وتقول الملائكة له: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جواد، وقد قيل ذلك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جرئ، فقد قيل ذلك. ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة)).
فالحديث الأول يدل على أن من شهد له بالخير اثنان يدخل الجنة، والحديث الثاني يدل على أن أول من تسعر بهم النار قد قيل عنهم الخير, فكيف الجمع - جزاكم الله خيرا -؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فواضح أن هذا الحديث لمن أثني عليه بعد موته، وأما حديث الثلاثة فالذي يظهر أنه في الشهادة في الدنيا، ويؤيده رواية ابن خزيمة للحديث، والتي صحح إسنادها الألباني حيث جاء في آخرها: قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافا لمعاوية، وأن رجلا دخل على معاوية فحدثه بهذا قال: صدق الله ورسوله، من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها إلى قوله وباطل ما كانوا يعملون. انتهى.

 وعلى هذا فلا تعارض أصلا.

 قال الإمام النووي - رحمه الله - في شرح مسلم: وأما معناه ففيه قولان للعلماء:

أحدهما: أن هذا الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل، فكان ثناؤهم مطابقا لأفعاله، فيكون من أهل الجنة، فإن لم يكن كذلك، فليس هو مرادا بالحديث.

والثاني: - وهو الصحيح المختار - أنه على عمومه وإطلاقه، وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس، أو معظمهم الثناء عليه، كان ذلك دليلا على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، وإن لم تكن أفعاله تقتضيه، فلا تحتم عليه العقوبة، بل هو في خطر المشيئة، فإذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه، استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء. انتهى.

فائدة: جاء في فتح الباري: قال الداودي: المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفسقة؛ لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم. انتهى.

ثم  لو فرضنا أن قول من قال: قارئ، جواد، جرئ؛ كان بعد موتهم - وهو بعيد جدا من سياق الحديث - فيحمل على أن من قال ذلك هم الفسقة، لا أهل الفضل والصدق؛ فالشهادة المقصودة شهادة عموم المؤمنين، أولياء الله المتقين، وانظر كلاما نفيسا لشيخ الإسلام - رحمه الله - في الفتوى رقم: 200529، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 69372.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات