هل يحلُّ للمظلوم طلب تعويض ليحلِّل من ظلمه بالغيبة والضرب؟

0 419

السؤال

لو قمت بظلم شخص، أو الاعتداء عليه معنويا، كضربه، أو شتمه، أو غيبته، وما شابه ذلك، ثم طلبت منه أن يسامحني، وطلب مني تعويضا ماديا ليسامحني، وقال: إنه لن يسامحني إذا لم أعطه التعويض المادي، فهل يحل له ذلك شرعا؟ وما واجبي حينها -جزاكم الله تعالى خيرا-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فعلى المسلم أن يتقي الله في أعراض الناس، فلا يظلمهم بغيبة، أو نميمة، أو همز، أو غمز، أو غير ذلك، ومن وقع في شيء منها فليبادر إلى التوبة من تلك المظالم: بالندم عليها، والاستغفار منها، والاستغفار لمن ظلمه، قال حذيفة -رضي الله عنه-: كفارة من اغتبته أن تستغفر له. وقال عبد الله بن المبارك: التوبة من الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته. وقال مجاهد: كفارة أكلك لحم أخيك أن تثني عليه، وتدعو له.

ولا يشترط إعلامه عند جماعة من المحققين، قال ابن القيم في مدارج السالكين: والقول الآخر: أنه لا يشترط الإعلام بما نال من عرضه، وقذفه، واغتيابه، بل يكفي توبته بينه وبين الله، وأن يذكر المغتاب، والمقذوف في مواضع غيبته، وقذفه بضد ما ذكره به من الغيبة، فيبدل غيبته بمدحه، والثناء عليه، وذكر محاسنه، وقذفه بذكر عفته، وإحصانه، ويستغفر له بقدر ما اغتابه، وهذا اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية -قدس الله روحه- واحتج أصحاب هذه المقالة بأن إعلامه مفسدة محضة، لا تتضمن مصلحة، فإنه لا يزيده إلا أذى وحنقا وغما، وقد كان مستريحا قبل سماعه، فإذا سمعه ربما لم يصبر على حمله، وأورثته ضررا في نفسه، أو بدنه... وما كان هكذا، فإن الشارع لا يبيحه فضلا عن أن يوجبه، ويأمر به، قالوا: وربما كان إعلامه به سببا للعداوة، والحرب بينه وبين القائل، فلا يصفو له أبدا، ويورثه علمه به عداوة وبغضاء مولدة لشر أكبر من شر الغيبة والقذف، وهذا ضد مقصود الشارع من تأليف القلوب، والتراحم، والتعاطف، والتحابب، قالوا: والفرق بين ذلك وبين الحقوق المالية، وجنايات الأبدان من وجهين:

أحدهما: أنه قد ينتفع بها إذا رجعت إليه، فلا يجوز إخفاؤها عنه، فإنه محض حقه، فيجب عليه أداؤه إليه، بخلاف الغيبة، والقذف، فإنه ليس هناك شيء ينفعه يؤديه إليه إلا إضراره وتهييجه فقط، فقياس أحدهما على الآخر من أفسد القياس.

والثاني: أنه إذا أعلمه بها لم تؤذه، ولم تهج منه غضبا ولا عداوة، بل ربما سره ذلك، وفرح به بخلاف إعلامه بما مزق به عرضه طول عمره ليلا ونهارا من أنواع القذف، والغيبة، والهجو، فاعتبار أحدهما بالآخر اعتبار فاسد، وهذا هو الصحيح في القولين كما رأيت، والله أعلم.

وللفائدة انظر الفتوى رقم: 125272.

وأما لو طلبت ممن ظلمته في عرضه بغيبة، أو همز ولمز، ونحوه أن يسامحك فاشترط لذلك مالا، فليس لك بذل مال إليه؛ إذ لا يجوز له ذلك، ولست في ضرورة لدفعه إليه لما بيناه من عدم لزوم طلب مسامحته، وأنه يكفي في التوبة من تلك المظلمة أن تستغفر الله لمن ظلمته، وتذكره بالخير حيث اغتبته، وهكذا، وقد قال الحطاب في مواهب الجليل: قال في المدونة: ومن صالح من قذف على شقص أو مال لم يجز، ورد، ولا شفعة فيه، بلغ الإمام أم لا، انظر أبا الحسن، وجعله من باب الأخذ على العرض مالا، فدل ذلك على أنه لا يصح الاعتياض عن مثل هذه المظالم.

قال ابن قدامة الحنبلي -رحمه الله-: وإن صالحه عن حد القذف لم يصح الصلح؛ لأنه إن كان لله تعالى لم يكن له أن يأخذ عوضه؛ لكونه ليس بحق له، فأشبه حد الزنا والسرقة، وإن كان حقا له لم يجز الاعتياض عنه، لكونه حقا ليس بمالي؛ ولهذا لا يسقط إلى بدل، بخلاف القصاص، ولأنه شرع لتنزيه العرض، فلا يجوز أن يعتاض عن عرضه بمال. انتهى.

وذهب بعض العلماء الى أنه يتحلل من المظلوم، ولو ببذل المال إليه إن تعين ذلك للمسامحة، قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: فليتحلله ـ أي: فليطلب الظالم حل ما ذكر منه، أي من المظلوم... يقال: تحللته، واستحللته إذا سألته أن يجعلك في حل اليوم، أي: في أيام الدنيا لمقابلته بقوله قبل أن لا يكون، أي لا يوجد دينار ولا درهم وهو تعبير عن يوم القيامة، وفي التعبير به تنبيه على أنه يجب عليه أن يتحلل منه، ولو ببذل الدينار والدرهم في بذل مظلمته؛ لأن أخذ الدينار والدرهم اليوم على التحلل، أهون من أخذ الحسنات، أو وضع السيئات على تقدير عدم التحلل.

وأما الضرب ونحوه: فيمكن الصلح عنه بمال، وانظر الفتويين رقم: 177733، ورقم: 122684.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة