الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل في دفع الصائل ورد العدوان

السؤال

لدي عدة أسئلة بخصوص دفع الصائل أود أن تتحملوني: ما مدى وجوب الهرب من الصائل إذا كان دفعه لا يؤدي إلى قتله فقد يظن السفيه أنك هربت منه خوفا مما ينتقص من كرامتك خصوصا بين الشباب؟ وما حكم ضرب الصائل على وجهه إذا هو قام بهذا الفعل؟ وما مدى وجوب الاستغاثة بالناس؟ وهل يمكن الاكتفاء بزجره بالكلام قبل الانتقال إلى الخطوة الأشد وذلك لكي لا يظن أنك استغثت خوفا منه؟ وإذا كان إنسان يسبك أو يسخر منك فهل يجوز الرد عليه بالمثل أو استخدام كلام جارح لإسكاته؟ وما مدى مشروعية ضربه للتخلص من شره إن لم يتوقف؟ وما موقف المسلم من شخص سب أباه أو أمه بكلام فاحش ويريد أن يرد عليه؟ وهل مسك الشخص من رقبته أو كتفه يعد من الضرب إن لم يسبب ضررا ظاهرا؟ ونشكر لكم صبركم وعونكم لنا جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر أهل العلم أنه يدفع الصائل بالأخف فالأخف، فلا يجوز قتله إن كان يندفع بما دون ذلك حتى نص العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن من أمكنه الاستغاثة والهرب لزمه ذلك، لأنه حينئذ هو الأخف، قال ابن المقرئ في روض الطالب: يجوز دفع كل صائل من آدمي وبهيمة عن كل معصوم من نفس وطرف وبضع ومقدماته، ومال وإن قلّ، وله دفع مسلم عن ذمي، ووالد عن ولده، وسيد عن عبده، ومالك عن إتلاف ملكه، ويجب الدفع للصائل بالأخف إن أمكن كالزجر ثم الاستغاثة، ثم الضرب باليد ثم بالسوط، ثم بالعصا، ثم بقطع عضو، ثم بالقتل.. ومتى أمكنه الهرب أو التخلص لزمه... انتهى المراد.

ولا تجب الاستغاثة إن اندفع بزجره وإقناعه بالكلام، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: ويجب الدفع للصائل بالأخف فالأخف إن أمكن كالزجر بالكلام أو الصياح، ثم الاستغاثة بالناس، ثم الضرب باليد ثم بالسوط ثم بالعصا ثم بقطع عضو ثم بالقتل، لأن ذلك جوز للضرورة، ولا ضرورة في الأثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالأخف، نعم لو التحم القتال بينهما وانسد الأمر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب، كما ذكره الإمام في قتال البغاة، ولو اندفع شره كأن وقع في ماء أو نار أو انكسرت رجله، أو حال بينهما جدار أو خندق لم يضر به كما صرح به الأصل، وفائدة الترتيب المذكور أنه متى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الاكتفاء بما دونها ضمن.... ومحله أيضاً في المعصوم. وأما غيره كالحربي، والمرتد، فله العدول إلى قتله لعدم حرمته.... فإن أمكن دفعه به بلا جرح له فجرح ضمن بخلاف ما إذا لم يمكن، ومتى أمكنه الهرب أو التخلص بنحو تحصن بمكان حصين أو التجأ إلى فئة لزمه ذلك، لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون.

وأما لطم الوجه قصاصا فمحل خلاف، جاء في شرح السنة للبغوي: لا قود في اللطمة، والخمشة، إنما فيها التعزير تأديباً والحكومة إن بقي لها أثر، وممن ذهب إلى هذا الحسن، وقتادة، وبه قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي وذهب جماعة إلى أنه يقاد من اللطمة، والضربة بالسوط، روي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وإليه ذهب شريح والشعبي، وابن شبرمة، روي عن أبي بكرة أنه أقاد من لطمة، ومثله عن علي، وابن الزبير وسويد بن مقرن ....اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: يرى جمهور الفقهاء أنه لا قصاص من لطمة على الخد إذا لم ينشأ عنها جرح ولا ذهاب منفعة بل فيها التعزير، لأن المماثلة فيها غير ممكنة... اهـ.

وفي كشاف القناع: ولا قود في اللطمة ونحوها، لأن المماثلة فيها غير ممكنة. اهـ.

ولو أن شخصاً اعتدى على آخر بالكلام فيشرع له الرد، بالمثل ولا يجوز له الاعتداء ومقابلة الكلام بالضرب فالتجاوز للضرب ظلم، ومثله إمساك الرقبة والكتف ان كان فيه إيذاء وقد قال الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ. {البقرة:194}.

وفي حديث مسلم: المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم.

قال النووي: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ـ ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال الله تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ـ ولحديث: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. ... ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه. ...اهـ.

ومن سب الأب أو الأم يجوز الرد عليه، لكن لا يتعدى إلى غير الساب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وكذلك له أن يسبه كما يسبه، مثل أن يلعنه كما يلعنه، أو يقول: قبحك الله، فيقول: قبحك الله، أو أخزاك الله، فيقول له: أخزاك الله، أو يقول: يا كلب يا خنزير، فيقول: يا كلب يا خنزير، فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه، وإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه، لأن أباه لم يظلمه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني