هل يجوز الدعاء على طليقي وأولاده بالموت لأنه ظلمني وظلم ابني؟

0 1335

السؤال

هل يجوز لي الدعاء على طليقي بأن يموت؛ لأنه ظلمني، ولم يعدل بيني وبين زوجته، وطلقني بدون سبب؟ ولا يعدل بين ابني وإخوته من والده، فهو ينفق عليهم، ولا ينفق على ابني، ولم ير ابنه منذ قرابة السنتين، ولم يسأل عنه، بعكس إخوته من والده، فأنا أدعو عليه أن يموت؛ حتى يشعر أبناؤه باليتم الذي يشعر به ابني، ولكن الله لم يستحب لي، ودعوت عليه بالأمراض، ودعوت عليه بأن يفقد أبناءه حتى يشعر بالظلم، ولكن الله لا يستجيب لي بالرغم من أني مظلومة، فلماذا لا يستجيب الله دعوتي؟ وهل تجوز لي الأدعية السابقة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن الشرع قد أذن للمظلوم في أن يدعو على من ظلمه؛ قال سبحانه: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما {النساء:148}.

قال ابن عباس في تفسيرها: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه؛ وذلك قوله: "إلا من ظلم"، وإن صبر فهو خير له. أخرجه الطبري. ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده. أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان.

لكن ذهب جماعة من العلماء إلى أن دعاء المظلوم على الظالم يكون بقدر مظلمته؛ لأن الدعاء قصاص، كما قال الإمام أحمد، والقصاص لا يجوز الاعتداء فيه.

قال القرافي: وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم، فلا تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا لم تقتضها جنايته عليك، بأن يجني عليك جناية، فتدعو عليه بأعظم منها، فتكون جانيا عليه بالمقدار الزائد، والله تعالى يقول: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى {البقرة:194}, ولا تدعو عليه بملابسة معصية من معاصي الله تعالى, ولا بالكفر صريحا أو ضمنا. اهـ. من الفروق .

وقال ابن تيمية: وللمظلوم الاستعانة بمخلوق، فبخالقه أولى، فله الدعاء بما آلمه بقدر ما موجبه ألم ظلمه، لا على من شتمه، أو أخذ ماله بالكفر .اهـ. من الفروع لابن مفلح.

وقال زكريا الأنصاري: أما الدعاء على الظالم فجائز ، لكن الأحسن الصبر والعفو؛ لقوله تعالى :{ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور}. ولذلك شرطان:

 أحدهما: أن لا يدعو عليه بملابسته معصية؛ لأن إرادة المعصية معصية، بل يدعو عليه بأنكاد الدنيا، كقوله: اللهم عليك بفلان، وقوله: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك. وقوله: اللهم خذ حقي منه، اللهم افعل به ما فعل.

الثاني: أن يدعو عليه بقضية مثل قضيته، أو دونها، حتى لا يكون ظالما بالزيادة؛ قال تعالى: {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، فلو قال : اللهم ارزقه سوء الخاتمة، وقصد الكفر كفر، وإلا فلا .اهـ. من تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية.

فعلى هذا القول لا يجوز لك الدعاء على مطلقك إن ظلمك، إلا بما يوازي ظلمه لك، دون زيادة.

وذهب بعض العلماء إلى جواز الدعاء على الظالم مطلقا، ولو بزيادة على مقدار ظلمه؛ فقد أخرج مسلم عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن أروى بنت أويس، ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: من أخذ شبرا من الأرض ظلما، طوقه إلى سبع أرضين. فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال: اللهم، إن كانت كاذبة فاعم بصرها، واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشي في أرضها، إذ وقعت في حفرة فماتت

قال القرطبي: وقول سعيد: ((اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها، واقتلها في أرضها))؛ دليل على أن سعيدا استجاز الدعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه، وفيه إشكال مع قوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}، وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. ووجه الإشكال: أنه كما لا يجوز أن يأخذ من الظالم، أو الغاصب زيادة على القصاص، أو على مقدار ما أخذ، كذلك لا يجوز أن يدعو عليه بزيادة على ذلك، لإمكان الإجابة، فتحصل الزيادة الممنوعة، ولو لم يستجب له؛ أليس قد أراد وتمنى شرا زائدا على قدر الجناية للمسلم؟! وهو ممنوع منه، وإنما الذي يجوز أن يدعو به على الظالم أن يقول: اللهم خذ لي حقي منه، اللهم افعل به مثل ما فعل، وما أشبه ذلك {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}.

 ويجاب عنه بالفرق بين الدعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه، وبين أن يفعل به؛ بأن الدعاء ليس مقطوعا بإجابته، فإذا صدر عن المظلوم بحكم حرقة مظلمته، وشدة موجدته، لم نقل إنه صدر عنه محرم، وغاية ذلك أن يكون ترك الأولى؛ لأنه منتصر، ولأنه لم يصبر، ويدل على جواز ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا خلق الثياب، فأمره أن يلبس ثوبيه، فلما لبسهما قال: ((ما له؟ - ضرب الله عنقه - أليس هذا خيرا))، وفي كتاب أبي داود: عن سعيد بن غزوان، عن أبيه: أنه مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، وهو يصلي، فقال: ((قطع صلاتنا، قطع الله أثره))، قال: فما قمت عليهما إلى يومي هذا - يعني: رجليه-؛ فدل هذا على أن الدعاء المذكور ليس محرما.

وأما قوله: إنه أراد الشر للظالم وتمناه، فنقول بجواز ذلك؛ ليرتاع الظالم عن شره، أو غيره ممن يريد الظلم والشر، ولو سلمنا أن ذلك لا يجوز لأمكن أن يقال إنه لا يلزم من الدعاء بالشر أن يكون ذلك الشر متمنى، ولا مرادا للداعي، فإن الإنسان قد يدعو على ولده وحبيبه بالشر؛ بحكم بادرة الغضب، ولا يريد وقوعه به، ولا يتمناه .اهـ. من المفهم باختصار يسير.

وأما الدعاء على أبناء طليقك، فلا ريب في أنه ظلم منك ومعصية، وكذلك طمعك في عذاب أبنائه بفقده مقصد خبيث، ومعصية مستقلة، فتمني السوء للمسلم دون مسوغ لا يجوز، فيجب عليك التوبة إلى الله من ذلك، ودعاؤك عليهم مردود غير مجاب، كما جاء في الحديث: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم. رواه مسلم. والدعاء بغير حق من الإثم.

أما عن تأخر إجابة دعائك على ظالمك: فلعلك اعتديت في الدعاء عليه فلم تجابي، والعبد إذا حيل بينه وبين إجابة دعائه، عليه أن يتفقد قلبه وحاله، فرب معصية أغلقت عن صاحبها أبواب الإجابة، ثم إن استجابة الدعاء لا تعني إعطاء الداعي عين ما دعا به، أو أن يجاب في الوقت الذي عينه في دعائه، بل استجابة الدعاء تكون بإحدى ثلاث وردت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد، وصححه الحاكم.

 وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 54580.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة