حكم الإبلاغ عمن يغش في تجارته إن كان سيصاب بضرر في ماله

0 189

السؤال

أرجو إفادتنا في شخص يبيع الشيء المستهلك بعد تنظيفه وتلميعه على أنه جديد، فهل يجوز لي إبلاغ الشركة بطريقة لا يعلم بأني الذي بلغت عنه؟ وذلك تفاديا للضرر الذي قد يلحقني منه، وهل تعتبر وشاية؟ مع العلم أنه قد يترتب على ذلك حرمانه من حقوقه التي قد تصل إلى ستة عشر عاما، وهذه النقطة الحساسة في الموضوع.ولكم منا جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من الغش المحرم بيع السلعة المستهلكة مع إيهام المشتري أنها جديدة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من غش فليس منا" أخرجه مسلم.

وأما ما يتعلق بالإنكار على من يفعل ذلك، فإن النهي عن المنكر فرض كفاية، وفق المراتب الواردة في قول النبي صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان أخرجه مسلم، فينبغي مناصحة الشخص ووعظه وتذكيره بالله، وتخويفه بإخبار الشركة، وإن خشيت مواجهته بذلك فيمكن أن يتم النصح والتخويف دون مواجهة، بأن يتم إرسال رسالة إلى جواله أو بريده مثلا، دون أن يعرف المرسل، وراجع للفائدة الفتاوى: 132867 - 39662 - 110551 ، فإذا لم ينتصح وأصر على ما هو فيه، فإذا كان إبلاغ الشركة يمنعه من هذا المنكر، لزمك إبلاغها.

وهل يلزم إبلاغها وإن لم ترج حصول المقصود؛ جاء في غذاء الألباب للسفاريني الحنبلي: هل من شرط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رجاء حصول المقصود أو لا ؟ على روايتين عن الإمام أحمد رضي الله عنه . نقل أبو الحارث الوجوب , ونقل حنبل عكسه . قال في نهاية المبتدئين : وإنما يلزم الإنكار إذا علم حصول المقصود ولم يقم به غيره , وعنه إذا رجا حصوله , وهو الذي ذكره ابن الجوزي , وقيل ينكره وإن أيس من زواله وخاف أذى أو فتنة . وقال في نهاية المبتدئين : إنما يجوز الإنكار فيما لا يرجى زواله وإن خاف أذى , وقيل لا , وقيل يجب . والذي ذكره القاضي في المعتمد أنه لا يجب ويخير في رفعه إلى الإمام خلافا لمن قال يجب رفعه. اهـ.

وإذا أوصلت الخبر للشركة فلا يجب أن تعلم الشخص بأنك من أوصل لها الخبر، لكن تبقى قضية احتمال منع الشركة لذلك الشخص من حقوقه، هل تمنع من إخبار الشركة؟ فيقال: إن الحقوق - وهي ما يعرف بمكافأة نهاية الخدمة - ليست حقا للموظف بإطلاق، بل فيها تفصيل بيناه في الفتوى رقم: 66064 ، فإن لم تكن حقا للشخص فلا إشكال في جواز إخبار الشركة بما يقع من هذا العامل، ومن ذلك: إذا كانت لائحة الشركة تنص على معاقبة الغاش بحرمان المكافأة، أو تشترط حسن السير والسلوك، وأما إذا كانت حقا له: فإن كان حرمان الشركة لهذا الشخص من حقه مجرد احتمال لم يصل لمرتبة الظن الغالب فلا تأثير له، وأما إن كان يغلب على الظن ذلك، فيمكنك تهديده برفع أمره ما لم ينزجر، وكذلك تهديده بتعريف الناس بحاله، وإبلاغ المحتسبين، فإن لم يستجب، فهل تبلغ الشركة؛ يعتبر هنا مقارنة المفسدتين؛ جاء في إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم: فإنكار المنكر أربع درجات؛ الأولى: أن يزول ويخلفه ضده، الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته، الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله، الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه؛ فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة. انتهى.

وإذا علمنا أن التعزير يشرع بالمال في قول بعض الفقهاء، كشيخ الإسلام ابن تيمية، فلو قارنا بين المفسدة العامة من شيوع الغش في المجتمع، مع أكل هذا الشخص المال الحرام، بمفسدة الضرر المالي على هذا الشخص الغاش - الذي حقه التعزير -، لرجحنا الإبلاغ عنه، على أنه يمكنه والحالة هذه رفع قضية على الشركة، ومحاولة تخفيف الحكم عليه، فنرى أن تبلغ الشركة، وهذا من إنكار المنكر، لا من الوشاية المحرمة، وانظر الفتويين: 133558 - 74902 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة