مراتب الأكل والشرب من حيث الوجوب والحرمة والإباحة

0 242

السؤال

البطنة تقطعني عن الله، ولكنني مضطر له، لأنني نحيف جدا، والمدرب يقول إنه يجب الأكل الكثير، وأمي تتضايق إذا رأت مني عدم الإكثار من الأكل، ولكنني أشبع قبل ذلك، لأنني نحيف.... إذن يجب أن أكون على شبع معظم الوقت وأخاف من أقوال الصالحين عنها وعلى رأسهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ـ ووجدت بسببها تثاقلا عن الخير والطاعات وترغيبا إلى الدنيا ووجدت بلادة الذهن، فما هي نصيحتكم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن كنت لا تخشى ضررا من النحافة الزائدة فنصيحتنا لك أن تلزم وصية النبي صلى الله عليه وسلم في الأكل بأن لا تأكل أكثر من الثلث في الغالب، فهذا أنفع لبدنك ودينك ولا بأس أن تأكل حتى تشبع أحيانا، فقد جاءت السنة أيضا بجواز الشبع، ففي البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا هريرة لبنا فشرب، فما زال يقول: اشرب، حتى قال له: والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا.

وفي الصحيحين: أن جابرا صنع طعاما فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم أهل الخندق، ثم قال لجابر، ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا...

ويتأكد هذا إذا كنت تخشى ضررا من شدة النحافة، وقد ذكر أهل العلم أن الاقتصار على الثلث في الطعام هذا في حق من لا يضعفه، وأما من أضعفه فإنه يأكل ما يحصل به النشاط واعتدال بدنه، ولعل من المفيد أن ننقل إليك كلام الفقهاء في هذا، جاء في الموسوعة الفقهية: من آداب الأكل الاعتدال في الطعام وعدم ملء البطن، وأكثر ما يسوغ في ذلك أن يجعل المسلم بطنه أثلاثا: ثلثا للطعام، وثلثا للشراب، وثلثا للنفس، لحديث: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ـ ولاعتدال الجسد وخفته، لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن، وهو يورث الكسل عن العبادة والعمل... وهذا كله في حق من لا يضعفه قلة الشبع، وإلا فالأفضل في حقه استعمال ما يحصل له به النشاط للعبادة، واعتدال البدن، وفي الفتاوى الهندية: الأكل على مراتب:
1ـ فرض: وهو ما يندفع به الهلاك، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك، فقد عصى.
2ـ ومأجور عليه، وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائما، ويسهل عليه الصوم.
3ـ ومباح، وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن، ولا أجر فيه ولا وزر، ويحاسب عليه حسابا يسيرا إن كان من حل.
4ـ وحرام، وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد به التقوي على صوم الغد، أو لئلا يستحي الضيف فلا بأس بأكله فوق الشبع.

وقال ابن الحاج: الأكل في نفسه على مراتب، واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه، ومحرم، فالواجب: ما يقيم به صلبه لأداء فرض ربه، لأن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب، والمندوب: ما يعينه على تحصيل النوافل وعلى تعلم العلم وغير ذلك من الطاعات، والمباح: الشبع الشرعي، والمكروه: ما زاد على الشبع قليلا ولم يتضرر به، والمحرم: البطنة، وهو الأكل الكثير المضر للبدن ـ وقال النووي: يكره أن يأكل من الطعام الحلال فوق شبعه ـ وقال الحنابلة: يجوز أكله كثيرا بحيث لا يؤذيه، وفي الفتية: يكره مع خوف تخمة، ونقل عن ابن تيمية كراهة الأكل المؤدي إلى التخمة كما نقل عنه تحريمه... اهـ.

والله أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة