الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يلزم التضلع من ماء زمزم لتحقق ما شرب لأجله

السؤال

هل يلزم لإجابة الدعاء عند شرب ماء زمزم، التضلع منه لمن جاءته كمية محدودة هدية من أحد الحجاج. خصوصا أن هذه الكمية المحدودة المهداة توزع مرة أخرى على الأصدقاء والمعارف، تبركًا بها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليس التضلع من ماء زمزم شرطا لحصول ما شُرب ماء زمزم لأجله، فالحديث مطلق، وليس مقيدا بالتضلع.

فقد أخرج ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن المؤمل قال: إنه سمع أبا الزبير يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ماء زمزم لما شرب له.

قال ابن حجر -في جزء له عن هذا الحديث-: إذا تقرر هذا، فرتبة هذا الحديث عند الحفاظ باجتماع هذه الطرق أنه يصلح للاحتجاج به، على ما عرف من قواعد أئمة الحديث.

ثم ذكر عن الحافظ الدمياطي أنه صححه، ثم قال: وروينا في المجالسة لأبي بكر الدينوري، أن سفيان بن عيينة حدث بحديث: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»، فقام رجل من المجلس ثم عاد، فقال: يا أبا محمد، أليس الحديث الذي حدثتنا به في زمزم صحيحًا؟ قال: نعم، قال الرجل: فإني شربت الآن دلوًا من زمزم على أنك تحدثني بمائة حديث، فقال له سفيان: اقعد، فقعد، فحدثه بمائة حديث...

واشتهر عن الشافعي أنه شربه للرمي، فكان يصيب من كل عشرة تسعة، وشربه أبو عبد الله الحاكم لحسن التصنيف، ولغير ذلك. فكان أحسن أهل عصره تصنيفًا، ولا يحصى كم شربه من الأئمة لأمور نالوها.

وقد ذكر لنا الحافظ زين الدين العراقي أنه شربه لشيء فحصل له، وأنا شربته مرة وأنا في بداءة طلب الحديث، وسألت الله أن يرزقني حالة الذهبي في حفظ الحديث، ثم حججت بعد مدة تقرب من عشرين سنة، وأنا أجد من نفسي طلب المزيد على تلك الرتبة، فسألت مرتبة أعلى منها، فأرجو الله أن أنال ذلك. اهـ.

وقال السيوطي في حاشيته على ابن ماجه: هذا الحديث مشهور على الألسنة كثيرا، واختلف الحفاظ فيه: فمنهم من صححه، ومنهم من حسنه، ومنهم من ضعفه، والمعتمد الأول. اهـ.

وأما التضلع من ماء زمزم، فقد جاء في حديث آخر، وهو ما أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن آية ما بيننا وبين المنافقين، أنهم لا يتضلعون من زمزم. وقال الحاكم في المستدرك: حديث صحيح على شرط الشيخين. اهـ.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. اهـ.

وفي تحفة المحتاج للهيتمي: سُن لكل أحد شربه، وأن يقصد به نيل مطلوباته الدنيوية والأخروية؛ لخبر: «ماء زمزم لما شرب له» سنده حسن، بل صحيح، كما قاله أئمة، وبه يرد على من طعن فيه بما لا يجدي.

ويسن عند إرادة شربه: الاستقبال، والجلوس. وقيامه -صلى الله عليه وسلم- لبيان الجواز.

ثم اللهم إنه بلغني أن رسولك محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قال: «ماء زمزم لما شرب له، اللهم إني أشربه لكذا، اللهم فافعل لي ذلك بفضلك، ثم يسمي الله -تعالى- ويشربه، ويتنفس ثلاثا. وأن يتضلع منه» أي: يمتلئ ويُكرِه نفسه عليه؛ لخبر ابن ماجه: «آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من ماء زمزم». اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني