هل إثم المعصية من العالم أكبر ممن دونه

0 200

السؤال

سؤالي هو: هل الرجل المتدين (المطوع) عليه إثم أكبر من الشخص العادي إذا فعلا نفس الذنب؟
مثال للتوضيح: يعني إذا سمع رجل متدين أغنية، وسمع رجل عادي نفس الأغنية بنفس المدة بالضبط، فهل إثم الرجل المتدين أكبر أم كلاهما متساويان في الإثم؟ وأيضا: هل إذا اغتاب أو استهزأ الرجل المتدين بشخص، هل يحصل على إثم أكبر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل تساوي الناس في العقاب؛ قال تعالى: من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون {القصص:84}.

ولكن قد يقترن بالسيئة ما يزيد في عقوبتها، كإقدام صاحبها وهو عالم، فعقوبته أشد من عقوبة الجاهل، وكذلك إذا كان ممن يقتدى به-وهذا يتحقق كثيرا في من يكون منتسبا للسنة، والتدين-؛ قال الغزالي في الإحياء: وإنما يضاعف عذاب العالم في معصيته؛ لأنه عصى من علم، ولذلك قال الله -عز وجل-: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. لأنهم جحدوا بعد العلم، وجعل اليهود شرا من النصارى مع أنهم ما جعلوا لله سبحانه ولدا، ولا قالوا: إنه ثالث ثلاثة، إلا أنهم أنكروا بعد المعرفة إذ قال الله: يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وقال تعالى: فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين، وقال تعالى في قصة بلعام بن باعوراء: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، حتى قال: فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. فكذلك العالم الفاجر فإن بلعام أوتي كتاب الله تعالى فأخلد إلى الشهوات، فشبه بالكلب، أي: سواء أوتي الحكمة أو لم يؤت فهو يلهث إلى الشهوات. انتهى.

وقال الشيخ السلمان في موارد الظمآن: وعن أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان: ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه . متفق عليه. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاهم بمقاريض من النار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمتك الذين يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟ . رواه ابن حبان في صحيحه. وإنما يضاعف عذاب العالم في معصيته؛ لأنه عصى عن علم. قال الله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، ولأنه قدوة فيزل بزلته خلق كثيرون، ولذلك قيل: زلة العالم زلة العالم. وقيل: كالسفينة إذا غرقت غرق معها أمم ما يحصيهم إلا الله. وفي الخبر: ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينتقص من أوزارهم شيئا . وذلك أن أتباعهم اقتدوا بهم في السوء، فينالهم مثل عقاب أتباعهم، قال تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون}، وقال: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} . قال: وجملة الأمر أن من فتح باب الشر لغيره، وسهل له الدخول فيه، فقد عظم عذابه، وكذلك من دعا إلى خير، وأمر بالمعروف، وسهل له طريقه، فقد عظم قدره، وحسن جزاؤه عند الله تعالى. أخرجه مسلم والترمذي، وقال صلوات الله وسلامه عليه: مثل الذي يعلم الخير ولا يعمل به مثل الفتيلة؛ تضيء للناس وتحرق نفسها . رواه الطبراني في الكبير عن أبي برزة بسند حسن. انتهى.

فينبغي لمن من الله عليه باتباع السنة، والعلم، والاقتداء، أن يجاهد نفسه على ترك المعاصي، حتى لا يكون فتنة لغيره، ومع هذا؛ فالجميع بشر، والمتدين غير معصوم، ولا يسوغ الاقتداء به في خطئه، ولا السخرية منه، وإنما الواجب نصحه، وتذكيره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات