حكم تمني المعصية مع عدم الوقوع فيها

0 190

السؤال

رجل تمنى المعصية ( مثل: أن يزني)، لكنه لم يفعلها، أو لم يقدر أن يفعلها لأي سبب كان، فهل يحاسب يوم القيامة على نيته حتى لو لم يفعل المعصية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن تمني المرء فعل معصية معفو عنه إذا كان مجرد خاطرة، ولم يوطن نفسه عليها، ولم يعزم على فعلها، وأما إذا عزم على المعصية، ثم تركها لوجه الله، فتعطى له حسنة؛ كما يدل له الحديث الذي رواه البخاري، ومسلمومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة ... الحديث. وأما إذا عزم، ولم يستطع تنفيذ فعله، فيعاقب على ذلك عقوبة الفاعل، كما يدل له حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه. رواه البخاري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: الحريص على السيئات، الجازم بإرادة فعلها، إذا لم يمنعه إلا مجرد العجز، فهذا يعاقب على ذلك عقوبة الفاعل؛ لحديث أبي كبشة، ولما في الحديث الصحيح: إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار، قيل: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه. وفي لفظ: إنه أراد قتل صاحبه. فهذه الإرادة: هي الحرص، وهي الإرادة الجازمة، وقد وجد معها المقدور، وهو: القتال، لكن عجز عن القتل، وليس هذا من الهم الذي لا يكتب، ولا يقال: إنه استحق ذلك بمجرد قوله: لو أن لي ما لفلان لعملت مثل ما عمل، فإن تمني الكبائر ليس عقوبته كعقوبة فاعلها بمجرد التكلم، بل لا بد من أمر آخر، وهو لم يذكر أنه يعاقب على كلامه، وإنما ذكر أنهما في الوزر سواء. وعلى هذا؛ فقوله: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل، لا ينافي العقوبة على الإرادة الجازمة التي لا بد أن يقترن بها الفعل، فإن الإرادة الجازمة: هي التي يقترن بها المقدور من الفعل. وإلا فمتى لم يقترن بها المقدور من الفعل، لم تكن جازمة، فالمريد الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، العازم على ذلك، متى كانت إرادته جازمة عازمة، فلا بد أن يقترن بها من الفعل ما يقدر عليه، ولو أنه يقربه إلى جهة المعصية، مثل: تقرب السارق إلى مكان المال المسروق، ومثل: نظر الزاني، واستماعه إلى المزني به، وتكلمه معه، ومثل: طلب الخمر، والتماسها، ونحو ذلك، فلا بد مع الإرادة الجازمة من شيء من مقدمات الفعل المقدور، بل مقدمات الفعل توجد بدون الإرادة الجازمة عليه؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: العينان تزنيان وزناهما النظر، واللسان يزني وزناه النطق، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يتمنى ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه. وكذلك حديث أبي بكرة المتفق عليه: إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه. وفي رواية في الصحيحين: إنه كان حريصا على قتل صاحبه. فإنه أراد ذلك إرادة جازمة فعل معها مقدوره، منعه منها من قتل صاحبه: العجز، وليست مجرد هم، ولا مجرد عزم على فعل مستقبل فاستحق حينئذ النار، كما قدمنا من أن الإرادة الجازمة التي أتى معها بالممكن يجري صاحبها مجرى الفاعل التام. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 30754، 53487.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات