محل المحبة التي يغرسها الله لعبده الطائع الآمر بالمعروف

0 131

السؤال

صرت منبوذة في هذا المجتمع بسبب أني لا أنصح الغير محجبات، ولا أحب النميمة، فأصبح الناس يبتعدون عني، لماذا؟ ألم يخبرنا الله بأن من اتبع الهدى أحبه الله، وجعل من على الأرض يحبونه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فقد بين الله تعالى أن المطيع له القائم بأمره يوضع له القبول والمحبة في الناس، كما قال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا {مريم:96}، وهذه المحبة التي يضعها الله لعبده الطائع إنما تكون في قلوب عباده الصالحين، قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله -عز وجل- لمتابعتها الشريعة المحمدية- يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه. انتهى.

 وقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: يا جبريل، إني أحب فلانا فأحبه. قال: فيحبه جبريل، قال: ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، قال: فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال: يا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضه أهل السماء، ثم يوضع له البغضاء في الأرض.

قال العيني: ثم يوضع له القبول في الأرض، أي: في أهل الأرض، أي: في قلوبهم، ويعلم منه أن من كان مقبول القلوب هو محبوب الله -عز وجل-، وقيل: يوضع له القبول في الأرض عند الصالحين ليس عند جميع الخلق، والذي يوضع له بعد موته أكثر منه في حياته. انتهى.

فإذا علمت هذا؛ فإنك إذا قمت بأمر الله، وأديت الواجب عليك، وصبرت نفسك على الطاعة، فإنه تعالى سيضع لك القبول والمحبة في قلوب عباده الصالحين، والصالحون هم صفوة الخلق، والمرادون منهم، وأما غيرهم فلا يضرك بغضهم لك أو نفورهم عنك، فإنهم لا شيء، فاصبري على إعراضهم وجفوتهم، وعامليهم بما يرضي الله تعالى، واتقي الله فيهم، ولا تدعي أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر. قال أويس القرني -رحمه الله-: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع لمؤمن صديقا، نأمر بالمعروف فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك من الفاسقين أعوانا، حتى والله لقد قذفوني بالعظائم، وايم الله لا أدع أن أقوم لله فيهم بحقه.

فقولك: "أني لا أنصح الغير محجبات" إن كان مرادك: أنك لا تخالطينهن، ولا تصادقينهن، فهذا حسن؛ فإن المسلم لا يصحب إلا الأخيار، وأما إن كان مرادك: أنك لا تنصحينهن بالحجاب، فهذا خطأ، بل عليك أن تنهي عن المنكر ما استطعت، وتبيني شرع الله ما أمكنك، ولا تخالطي الناس في الغيبة والنميمة، وغيرها من الذنوب، بل لا تخالطي أحدا إلا حيث كانت المخالطة تجدي عليك نفعا في دينك أو دنياك، ولا يضرك إعراض الفساق والظالمين لأنفسهم عنك، فإنه لا عبرة بهم، واحرصي على صحبة الصالحات ومجالستهن، فإن هذا هو ما تنتفعين به في دينك ودنياك.

ومع ذا فخالقي الناس كلهم بأخلاق الإسلام، ولا تسيئي إلى أحد، وإنما تخالقين الناس بالخلق الحسن, وادفعي سيئتهم بالحسنة, فذلك موجب -إن شاء الله- أن تتحول عداوتهم ولاية، وبغضهم محبة، كما قال الله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات