متى يكون القول على الله بغير علم أعظم من الشرك؟

0 277

السؤال

الفتوى بغير علم كأن يحلل الإنسان ما حرمه الله، ويحرم ما أحله الله، هل هذا أعظم من الشرك؟ لأنه قال تعالى: ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) بدأ من الأقل ثم الأعظم، فهل هذا يدل على أنه أعظم من الشرك حتى لو كان مسلما؟. أفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس هناك ذنب أعظم من الشرك الذي لا يغفره الله، إلا أن يكون شركا وزيادة، قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما {النساء:48}، وقال: فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق {الحج:31}، وقال: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار {المائدة:72}.
وعن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قال: قلت له: إن ذلك لعظيم. قال: قلت: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. قال: قلت: ثم أي؟ قال: ثم أن تزاني حليلة جارك. رواه البخاري ومسلم.
والقول على الله تعالى بغير علم، منه ما هو كفر وشرك، ومنه ما هو دون ذلك، فما كان منه كفرا أو شركا ناقضا للإيمان فهو أظلم الظلم وأعظم الذنب، كادعاء النبوة بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو ادعاء حق التشريع من التحليل والتحريم من دون الله، أو ادعاء أن لله سبحانه ولدا، ومن ذلك قوله تعالى: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون {الأعراف:28}، وقوله سبحانه: قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون [يونس: 68 - 70] وقوله عز وجل: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله  {الأنعام:93}، فهذا من القول على الله تعالى بغير علم في باب من أبواب الكفر والشرك، قال السعدي: يقول تعالى: لا أحد أعظم ظلما، ولا أكبر جرما، ممن كذب على الله، بأن نسب إلى الله قولا أو حكما وهو تعالى بريء منه، وإنما كان هذا أظلم الخلق، لأن فيه من الكذب، وتغيير الأديان أصولها وفروعها، ونسبة ذلك إلى الله ـ ما هو من أكبر المفاسد، ويدخل في ذلك، ادعاء النبوة، وأن الله يوحي إليه، وهو كاذب في ذلك، فإنه مع كذبه على الله، وجرأته على عظمته وسلطانه، يوجب على الخلق أن يتبعوه، ويجاهدهم على ذلك، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم، ويدخل في هذه الآية، كل من ادعى النبوة، كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمختار، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف. {ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} أي: ومن أظلم ممن زعم أنه يقدر على ما يقدر الله عليه ويجاري الله في أحكامه، ويشرع من الشرائع، كما شرعه الله، ويدخل في هذا كل من يزعم أنه يقدر على معارضة القرآن، وأنه في إمكانه أن يأتي بمثله، وأي ظلم أعظم من دعوى الفقير العاجز بالذات، الناقص من كل وجه، مشاركة القوي الغني، الذي له الكمال المطلق، من جميع الوجوه، في ذاته وأسمائه وصفاته؟ اهـ.
وأما ما كان دون ذلك من أنواع القول على الله تعالى بغير علم، كفتوى المسلم في دين الله بغير علم، فإنها وإن كانت عظيمة وكبيرة، إلا إنها ليست أعظم من الشرك؛ لما سبق من الأدلة على أن الشرك بالله هو أكبر الكبائر.
وعلى ذلك، فالآية التي ذكرها السائل إن قلنا إن ترتيب المحرمات فيها ترتيب تصاعدي، فالقول على الله بغير علم، يحمل فيها على النوع الأول الذي هو شرك وزيادة، ولذلك قال ابن كثير: قوله: {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} أي: تجعلوا له شريكا في عبادته، وأن تقولوا عليه من الافتراء والكذب من دعوى أن له ولدا ونحو ذلك، مما لا علم لكم به، كما قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور. حنفاء لله غير مشركين به} الآية [الحج: 30، 31] اهـ.
وقال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): قوله: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} يشير إلى ما اختلقه المشركون وأهل الضلال من رسوم العبادات ونسبة أشياء لدين الله ما أمر الله بها، وخصه بالعطف مع أنه بعض السوء والفحشاء لاشتماله على أكبر الكبائر وهو الشرك والافتراء على الله. اهـ.
وهنا شيء آخر لابد من مراعاته وهو أن الشرك بكافة صوره، ما هو إلا نوع من أنواع التقول على الله تعالى بغير علم، فكل شرك قول على الله بغير علم، دون العكس، قال ابن القيم في (مدارج السالكين): أصل الشرك والكفر هو القول على الله بلا علم، فإن المشرك يزعم أن من اتخذه معبودا من دون الله، يقربه إلى الله، ويشفع له عنده، ويقضي حاجته بواسطته، كما تكون الوسائط عند الملوك، فكل مشرك قائل على الله بلا علم، دون العكس، إذ القول على الله بلا علم قد يتضمن التعطيل والابتداع في دين الله، فهو أعم من الشرك، والشرك فرد من أفراده. اهـ. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة