الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرك المحبة أصل الشرك الأكبر

السؤال

هل يغفر الله شرك المحبة، لإنسان كان جاهلاً به؟!
لأن ابن القيم -رحمه الله- قال: إن الله لا يغفر هذا الشرك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فشرك المحبة كغيره من أنواع الشرك الأكبر، وهي لا تغفر إن مات عليها صاحبها. وأما من تاب منها قبل موته، فتوبته مقبولة، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا {الزمر: 53}.

وانظر الفتاوى: 7386، 393349، 345256.
وابن القيم -رحمه الله- لم يخص شرك المحبة من دون أنواع الشرك الأكبر الأخرى بأنه لا يغفر. وإنما نص على أنه أصل الشرك الذي لا يغفر، وأن المحبة هي أصل العبادة، ومقصود التوحيد.

فقال في روضة المحبين: من أشرك بين الله وبين غيره في هذه المحبة الخاصة، كان مشركا شركا لا يغفره الله، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}. اهـ.
وقال في موضع آخر: أما المحبة مع الله فهي المحبة الشركية، وهي كمحبة أهل الأنداد لأندادهم، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} وأصل الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك في هذه المحبة. اهـ.
وقال في طريق الهجرتين: قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}. فأخبر -سبحانه- أن الغاية المطلوبة من خلقه هي عبادته التي أصلها كمال محبته ...

ومن أجل ذلك كان الشرك أبغض الأشياء إليه؛ لأنه ينقص هذه المحبة، ويجعلها بينه وبين من أشرك به، ولهذا لا يغفر الله أن يشرك به؛ لأن الشرك يتضمن نقصان هذه المحبة، والتسوية فيها بينه وبين غيره. اهـ.
وقال في موضع آخر: أما المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله وحده، ومتى أحب العبد بها غيره كان شركاً لا يغفره الله، فهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم، وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره. فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلا ..

والمقصود من الخلق والأَمر إنما هو هذه المحبة، وهي أول دعوة الرسل، وآخر كلام العبد المؤمن الذي إذا مات عليه دخل الجنة اعترافه وإقراره بهذه المحبة، وإفراد الرب -تعالى- بها، فهو أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا إلى الله؛ وجميع الأعمال كالأدوات والآلات لها. وجميع المقامات وسائل إليها، وأسباب لتحصيلها وتكميلها، وتحصينها من الشوائب والعلل؛ فهي قطب رحى السعادة، وروح الإيمان... اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني