الشرك.. تعريفه .. أنواعه.. وأمثلة واقعية معاصرة

0 255

السؤال

لا شك أن أكثر ما ينبغي على المسلم أولا أن يصحح عقيدته كي لا يقع في الشرك الذي لا يغفره الله ويغفر ما دونه لمن يشاء، ولكن يجد المرء أن للعلماء رؤى مختلفة للشرك، وبما أن الأمر بهذه الدرجة من الخطورة فسؤالي:
- هل بإمكانكم ـ لو تكرمتم ـ إعلامنا بتعريف واضح ومحدد للشرك الذي لا يغفره الله تعالى؟
- هلا تفضلتم علينا بضرب أمثلة من الواقع المعاصر لما يمكن أن يقع فيه المرء من أمور شركية؟
- هل الشرك الآنف الذكر مجرد جوانب اعتقادية علمية أم فعلية وقولية؟
- لو كانت نية المسلم في عمل ما ليست لله هل يبطل أجره فقط أم يأثم بالإضافة لذلك؟ كمن يتصدق تطوعا مثلا ليرى مكانه، فهل لو لم يتصدق كان أفضل مما لو فعل بتلك النية الفاسدة؟
- معظم الناس يفعلون الخير بشكل آلي بمعنى دونما استحضار للنية قبل العمل، فهل يؤجرون في ذلك؟
جزاكم الله خيرا على ما تبذلونه، فنحن نعلم المشقة التي تلقونها في البحث والتحقيق في المسائل، ولكنكم ستلقون نظير ذلك عند ملك عدل في يوم ليس فيه إلا الحسنات والسيئات، بارك الله فيكم وحفظكم من كل مكروه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فخطورة الشرك ـ كما أشرت إليها ـ أمر مقرر في الشريعة، ويكفي في بيان عظم خطره وجسيم ضرره قول الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما {النساء:48}، وقوله سبحانه حكاية عن عبده لقمان الحكيم: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم {لقمان:13}،
ولم يختلف علماء أهل السنة والجماعة في أصول هذا الباب، بل في أصول الاعتقاد كلها، وإنما وقع الاختلاف في بعض الضوابط كضابط الشرك الأصغر مثلا، وفي بعض المسائل الجزئية التي لا تعد من أصول العقائد كاختلافهم هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة عرج به؟ فما ذكرته من (أن للعلماء رؤى مختلفة للشرك) كلام مجمل بيانه ما سبق؛ إلا أن يكون مقصودك بالعلماء علماء غير أهل السنة والجماعة من المذاهب المنحرفة عنهم.
وأما الشرك فقد عرفه غير واحد من أهل العلم، ولعل من أجمعها ما عرفه به ابن القيم ـ رحمه الله ـ، فقد قال في مدارج السالكين: وأما الشرك، فهو نوعان: أكبر وأصغر، فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو أن يتخذ من دون الله ندا، يحبه كما يحب الله، وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين، ولهذا قالوا لآلهتهم في النار {تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين} [الشعراء: 97 - 98] مع إقرارهم بأن الله وحده خالق كل شيء، وربه ومليكه، وأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق، ولا تحيي ولا تميت، وإنما كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة كما هو حال أكثر مشركي العالم، بل كلهم يحبون معبوداتهم ويعظمونها ويوالونها من دون الله، وكثير منهم ـ بل أكثرهم ـ يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله، ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده، ويغضبون لمنتقص معبوديهم وآلهتهم ـ من المشايخ ـ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين، وإذا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم ومعبوداتهم غضبوا غضب الليث إذا حرد، وإذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لها، بل إذا قام المنتهك لها بإطعامهم شيئا رضوا عنه، ولم تتنكر له قلوبهم، وقد شاهدنا هذا نحن وغيرنا منهم جهرة، وترى أحدهم قد اتخذ ذكر إلهه ومعبوده من دون الله على لسانه ديدنا له إن قام وإن قعد، وإن عثر وإن مرض وإن استوحش، فذكر إلهه ومعبوده من دون الله هو الغالب على قلبه ولسانه، وهو لا ينكر ذلك، ويزعم أنه باب حاجته إلى الله، وشفيعه عنده، ووسيلته إليه. انتهى.
وقال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ في القول السديد: فأما الشرك الأكبر: فهو أن يجعل لله ندا يدعوه كما يدعو الله أو يخافه أو يرجوه أو يحبه كحب الله، أو يصرف له نوعا من أنواع العبادة، فهذا الشرك لا يبقى مع صاحبه من التوحيد شيء، وهذا المشرك الذي حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. انتهى.
وأما عن أمثلة الشرك الأكبر في واقعنا المعاصر فلا تختلف عما كانت عليه قبل من حيث الأصل، ولعل من أكثرها ظهورا: تحكيم القانون الوضعي المناقض للشريعة، وجعله شرعا عاما ومنهاجا يسير عليه الناس. وراجع في ذلك الفتويين التالية أرقامهما: 172063، 197487.

ومنها: الانتماء إلى المذاهب الإلحادية: كالشيوعية، والعلمانية، وغيرها. وراجع الفتوى رقم: 226612.

والشرك لا يقع بالاعتقاد فحسب، بل هو أعم من ذلك، فيشمل الاعتقاد واللفظ والقصد، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في إعلام الموقعين: أن يجعل لله عدلا بغيره في اللفظ أو القصد أو الاعتقاد. انتهى.
وأما سؤالك المتعلق بالنية والرياء وعلاقتهما بحبوط العمل والإثم، ففي ذلك تفصيل قد ذكرناه عن ابن رجب الحنبلي في الفتوى رقم: 49482، والفتوى رقم: 121464، فراجعهما.
وأما حكم فعل الخيرات دونما استحضار النية فقد بينا ذلك في فتاوى منها: 57382، 120085، 162235.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة