التحذير من التسرع في إطلاق الكفر على المعين

0 152

السؤال

السادة أصحاب الفضيلة، هناك الكثير من العلماء يتحاشون تكفير أي مسلم يقول لا إله إلا الله، ويقيم الصلاة، مهما فعل؛ ويستشهدون بحديث: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله". وآخرون يكفرونه بالاستدلال بأحد نواقض الإسلام العشرة. فما الصواب في ذلك -بارك الله فيكم-؟
وكنت قد التمست منكم طلبا بتوفير برنامج فتاوى الشبكة الإسلامية بإصداره الأخير بصيغة امتداد تسمح بضمه لبرنامج المكتبة الشاملة، فأرجو ألا تردوا طلبي لشدة الحاجة إليه بين أوساط الشباب، وخاصة الغير مقبلين على الإنترنت، بل يقتصرون على مطالعة المكتبة الشاملة (أوفلاين) فقط، وفقكم الله، وأعانكم على نشر الخير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن نطق بالشهادتين، وأقام الصلاة، يحكم بإسلامه بلا ريب، ولكن هذا لا يمنع من خروجه من الإسلام إذا أتى ناقضا من نواقضه، وسببا من أسباب الردة؛ كسب الله تعالى، أو كتابه المجيد، أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو جحد شيء من القرآن، أو اعتقاد تحريفه أو نقصه، أو صرف شيء من العبادة المختصة بالله لغيره تعالى، أو إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة، كتحريم الزنا والخمر، وكوجوب الصلاة والصيام...

قال الشيخ/ ابن باز في (نواقض الإسلام): ذكر العلماء -رحمهم الله- في باب حكم المرتد: أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجا من الإسلام. اهـ. وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 7386، 8106، 239197

وهنا لا بد من التنبيه على أن الحكم بالردة على شخص بعينه لا بد فيه من توفر الشروط، وانتفاء الموانع. وبذلك يصير تكفير المعين ليس بالأمر الهين، وأنه لا بد فيه من الرجوع إلى أهل العلم، وقد سبق ‏لنا بيان ذلك، وبيان ضوابط التكفير، ‏وخطر الكلام فيه، وأنه ليس كل من ‏وقع في الكفر، وقع الكفر عليه، ‏وذلك في عدة فتاوى، منها: الفتويان: 721، 53835.
وقال الشيخ/ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح: لا يجوز لنا أن نقول: فلان كافر حتى نتحقق من أمرين:

ـ الأمر الأول: ثبوت أن هذا العمل من الكفر، فإن لم نعلم وشككنا، فالأصل أن المسلم باق على إسلامه، ولا يحل أن نكفره ...

ـ والأمر الثاني: أن نتحقق من انطباق هذا الوصف على هذا الشخص ... بحيث تتم فيه شروط التكفير، ومن الشروط: أن يكون عالما، وأن يكون قاصدا، فإن كان غير عالم فإننا لا نكفره؛ لأنه لم تقم عليه الحجة بعد، كما قال الله -تبارك وتعالى-: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون [القصص:59]، وقال تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده [النساء:163] إلى قوله: رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [النساء:165]، وقال تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء:15] والآيات في هذا المعنى متعددة، فإذا كان الإنسان لا يعلم أن هذا الشيء من الكفر فإننا لا نحكم بكفره. الشرط الثاني: أن يكون الشخص مريدا لما قال من كلمة الكفر، أو لما فعل ... ولهذا يفرق بين كون المقالة أو الفعالة كفرا، وبين كون القائل لها أو الفاعل لها كافرا، قد تكون المقالة أو الفعالة كفرا، ولكن القائل لها أو الفاعل لها ليس بكافر لعدم انطباق الشروط عليه.

ومن ثم نحن نحذر غاية التحذير من التسرع في إطلاق الكفر على قوم لم يتبين فيهم الشروط، أي: شروط التكفير؛ لأنك إذا كفرته فلازم تكفيرك إياه أن تشهد بأنه في النار، فأنت الآن شهدت بالحكم، وبما يقتضيه الحكم، المسألة خطيرة جدا، ثم إن الحكم بالتكفير يستلزم بغضه، والبراءة منه، والبعد عنه، وعدم السمع له والطاعة إن كان أميرا، وما أشبه ذلك مما يترتب على هذه المسألة التي يجب على الإنسان أن يكف لسانه عنها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة