هل يصح حديث استغفار الملائكة للمصلي الذي لم يمسح التراب عن جبينه؟

0 438

السؤال

هل صحيح استغفار الملائكة للمصلي الذي تبقى على جبهته بقايا من التراب أثناء سجوده حتى ينفضها عن جبينه -جزاكم الله خيرا-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير: عن أيوب بن مدرك، عن مكحول ، عن واثلة بن الأسقع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يمسح الرجل جبهته حتى يفرغ من صلاته، ولا بأس أن يمسح العرق عن صدغيه، فإن الملائكة تصلي عليه ما دام أثر السجود بين عينيه.

ففيه أيوب بن مدرك، وهو كذاب، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد .

ورواه في الأوسط بإسناد آخر عن عيسى بن عبد الله ، عن عثمان بن عبد الرحمن بن سعد بن أبي وقاص عن مكحول عن واثلة به ، من غير قوله:  فإن الملائكة...   إلخ.

ورواه تمام في الفوائد عن عيسى بن عبد الله بنفس الإسناد إلى واثلة، بلفظ: لا يمسح الرجل وجهه ـ أو قال: جبهته ـ من التراب حتى يفرغ من الصلاة، فإن الملائكة تصلي عليه ما دام أثر السجود في وجهه، ولا بأس من أن يمسح العرق عن صدغيه.

قال الهيثمي: وفيه عيسى بن عبد الله بن الحكم بن النعمان بن بشير، وهو متروك. اهـ.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال: قال ابن حبان: لا ينبغي أن يحتج بما انفرد به... قال ابن عدي: وعامة ما يرويه لا يتابع عليه. 

وقد تابعه عن  عثمان ،  المغيرة بن إسماعيل  ، إلا أن  عثمان بن عبد الرحمن  هو نفسه لا شيء، كما رواه عنه  ابن حبان في المجروحين ، وقال ابن القيسراني  في ذكرة الأحاديث الموضوعة:  فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، من نسل سعد بن أبي وقاص، وهو لا شيء في الحديث. اهـ بتصرف.

قال البخاري في التاريخ الكبير: تركوه.

وقال مسلم في الكنى والأسماء: ذاهب الحديث.

وقال ابن حبان في المجروحين: كان ممن يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به.

وقال ابن حجر في التقريب: متروك، وكذبه ابن معين.

فإسناد الحديث معل بالكذابين، والمتروكين.

وقد اختلف أهل العلم في سماع مكحول الشامي من واثلة بن الأسقع، فروى ابن سعد في الطبقات: عن مكحول قال: دخلت أنا، وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع، فقلنا له: يا أبا الأسقع، حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى.

ورواه البخاري في التاريخ الكبير عنه بلفظ:  دخلت على واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- فقلنا له: يا أبا الأسقع، حدثنا، فقال: حسبكم إذا جئناكم بالحديث على المعنى ـ وقال الترمذي:  ومكحول قد سمع من واثلة بن الأسقع، وأنس بن مالك، وأبي هند الداري، ويقال: إنه لم يسمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هؤلاء الثلاثة.. اهـ.

وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: حدثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال: سألت أبا مسهر: هل سمع مكحول من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمع من أنس بن مالك، فقلت له: سمع من أبي هند الداري؟ فقال: من رواه؟ قلت: حيوة بن شريح عن أبي صخر عن مكحول أنه سمع أبا هند الداري يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه لم يلتفت إلى ذلك، فقلت له: واثلة بن الأسقع؟ فقال: من؟ قلت: حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول قال: دخلت أنا، وأبو الأزهر على واثلة ابن الأسقع، فقلت: كأنه أومى رأسه، كأنه قبل ذلك. اهـ.

لكنه قال في المراسيل: حدثنا أبي قال: سألت أبا مسهر هل سمع مكحول من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما صح عندنا، إلا أنس بن مالك، قلت: واثلة؟ فأنكره... وسمعت أبي يقول: مكحول لم يسمع من معاوية، ودخل على واثلة بن الأسقع... وسألت أبي عن مكحول عن واثلة، فقال: مكحول لم يسمع من واثلة، دخل عليه. اهـ. أي  دخل عليه لكنه لم يسمع منه حديثا.

قال الذهبي في التهذيب: وقال البخاري في تاريخه الأوسط، والصغير: لم يسمع من واثلة. اهـ.

فإن لم يصح سماعه، فهو مرسل.

وعلى كل؛ فالحديث لم يصح إلى مكحول، فإسناده ساقط لا يصلح للاحتجاج، إلا أن أهل العلم قد نصوا على كراهة مسح التراب عن الجبين، وإن لم يثبت أن الملائكة تصلي عليه ما لم يمسحه، وذلك لأدلة أخرى، منها ما رواه البخاري، وغيره عن أبي سعيد الخدري: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين؛ حتى رأيت أثر الطين في جبهته.

قال البخاريباب من لم يمسح جبهته، وأنفه حتى صلى، قال أبو عبد الله: رأيت الحميدي يحتج بهذا الحديث: أن لا يمسح الجبهة في الصلاة. اهـ.

قال ابن قدامة: ويكره أن يكثر الرجل مسح جبهته في الصلاة؛ لما روى ابن المنذر، عن ابن مسعود قال: من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة، وروي أيضا مرفوعا، وكرهه الأوزاعي، وقال سعيد بن جبير: هو من الجفاء، وروى الأثرم، عن ابن عباس، قال: لا تمسح جبهتك، ولا تنفخ، ولا تحرك الحصا. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: كره العلماء -كأحمد، وغيره- مسح الجبهة في الصلاة من التراب، ونحوه الذي يعلق بها في السجود. اهـ.

وقال أيضا: لأن المسجد لم يكن مفروشا، بل كانوا يصلون على الرمل، والحصى، وكان أكثر الأوقات يسجد على الأرض حتى يبين الطين في جبهته صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما. اهـ.

وقال ابن قاسم النجدي في حاشية الروض: يكره باتفاق السلف. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات