نبذة عن المنصور بن أبي عامر ويوسف بن تاشفين

0 273

السؤال

نسألكم عن أشخاص في التاريخ نحن نمجدهم، ونمدحهم رغم أنهم كان لهم آثام، وذنوب لا تحتمل؛ فالحاجب المنصور الأندلسي محمد بن عامر عطل الخليفة المؤيد بالله هشام، وعزله، ثم لما مات تفككت الأندلس إلى دويلات، صحيح أنه حارب النصارى 57 غزوة، لكنه دمر الخلافة، فهل كانت أفعاله صحيحة؟ ومثله أمير المسلمين يوسف بن تاشفين؛ فقد كسر الروم أكثر من مرة، لكنه عزل المعتمد بالله، وأذله، وطرده إلى أغمات، فهل هذا ما يريده رجل يرجو الله، واليوم الآخر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمدح الأشخاص، وذمهم، وحبهم، وبغضهم مبني على ما لهم من الحسنات والسيئات، من غير إفراط، ولا تفريط، ولا غلو، ولا جفاء، ومن كثرت حسناته، وعظمت، وكانت له قدم صدق في الإسلام، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، وفي ذلك يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في مفتاح دار السعادة: من قواعد الشرع، والحكمة أيضا أن من كثرت حسناته، وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفي عنه ما لا يعفي عن غيره؛ فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل؛ فإنه لا يحمل أدنى خبث، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من جس عليه، وعلى المسلمين، وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدرا، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم، لكن منع من ترتب أثره عليه ما له من المشهد العظيم، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات ... إلى أن قال: وهذا أمر معلوم عند الناس، مستقر في فطرهم أن من له ألوف من الحسنات، فإنه يسامح بالسيئة، والسيئتين، ونحوها، حتى إنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته، وداعي شكره على إحسانه؛ فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة، كما قيل:

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع.

وقال آخر:

فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا ... فأفعاله اللاتي سررن كثير ... انتهى.

وإذا رجعنا إلى ما قاله أهل العلم في ترجمة المذكورين في السؤال وجدنا ما قاله ابن القيم ينطبق عليهما، ومع ذلك فقد نبه أهل العلم على أن ما فعله الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر مع المؤيد بالله هشام سببه أن المؤيد كان أخرق، ضعيف الرأي، وكذلك قد نبهوا على بعض أخطاء يوسف بن تاشفين.

قال الذهبي -رحمه الله- عنه في سير أعلام النبلاء في ترجمة هشام المؤيد بالله: ابن المستنصر صاحب الاندلس، بايعوه صبيا، فقام بتشييد الدولة الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر، فكان من رجال الدهر رأيا، وحزما، ودهاء، وشجاعة، وإقداما -أعني: الحاجب- فعمد أول تغلبه إلى خزائن كتب الحكم، فأبرز ما فيها بمحضر من العلماء، وأمر بإفراز ما فيها من تصانيف الأوائل، والفلاسفة، حاشا كتب الطب، والحساب، وأمر بإحراقها، فأحرقت، وطمر بعضها، ففعل ذلك تحببا إلى العوام، وتقبيحا لمذهب الحكم، ولم يزل المؤيد بالله هشام غائبا عن الناس لا يظهر، ولا ينفذ أمرا.

وكان ابن أبي عامر ممن طلب العلم، والأدب، ورأس، وترقى، وساعدته المقادير، واستمال الأمراء والجيش بالأموال، ودانت لهيبته الرجال، وتلقب بالمنصور، واتخذ الوزراء لنفسه، وبقي المؤيد معه صورة بلا معنى؛ لأن المؤيد كان أخرق، ضعيف الرأي، وكان للمنصور نكاية عظيمة في الفرنج، وله مجلس في الأسبوع، يجتمع إليه فيه الفضلاء للمناظرة، فيكرمهم، ويحترمهم، ويصلهم، ويجيز الشعراء، افتتح عدة أماكن، وملا الأندلس سبيا وغنائم، حتى بيعت بنت عظيم من عظماء الروم ذات حسن وجمال بعشرين دينارا، وكان إذا فرغ من قتال العدو، نفض ما عليه من غبار المصاف، ثم يجمعه، ويحتفظ به، فلما احتضر أمر بما اجتمع له من ذلك بأن يذر على كفنه، وغزا نيفا وخمسين غزوة، وتوفي مبطونا شهيدا وهو بأقصى الثغر، بقرب مدينة سالم، سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة. انتهى.

وقال الذهبي أيضا في السير في ترجمة يوسف بن تاشفين: أمير المسلمين، السلطان، أبو يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني، البربري، الملثم، ويعرف أيضا بأمير المرابطين، وهو الذي بنى مراكش، وصيرها دار ملكه. وأول ظهور هؤلاء الملثمين مع أبي بكر بن عمر اللمتوني، فاستولى على البلاد من تلمسان إلى طرف الدنيا الغربي، واستناب ابن تاشفين، فطلع بطلا شجاعا شهما عادلا مهيبا، فاختط مراكش في سنة (465)، اشترى أرضها بماله الذي خرج به من صحراء السودان، وله جبل الثلج، وكثرت جيوشه، وخافته الملوك، وكان بربريا قحا، وثارت الفرنج بالأندلس، فعبر ابن تاشفين ينجد الإسلام، فطحن العدو، ثم أعجبته الأندلس، فاستولى عليها، وأخذ ابن عباد وسجنه، وأساء العشرة. وقيل: كان ابن تاشفين كثير العفو، مقربا للعلماء ... إلى أن قال: تملك بضعا وثلاثين سنة، وهو وجيشه ملازمون للثام الضيق، وفيهم شجاعة، وعتو، وعسف. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 102368.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة